من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : حسن عبدالرحمن الشمراني.
إجمالي القراءات : ﴿10912﴾.
عدد المشــاركات : ﴿3﴾.

الإحسان : وأثاره على الفرد والمجتمع ــ رسالة ثقافية.
مرَّ عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - على غلام يرعى أغنامًا لسيده، فأراد ابن عمر أن يختبر الغلام، فقال له : بع لي شاة. فقال الصبي : إنها ليست لي، ولكنها ملك لسيدي، وأنا عبد مملوك له. فقال ابن عمر : إننا بموضع لا يرانا فيه سيدك، فبعني واحدة منها، وقل لسيدك : أكلها الذئب. فاستشعر الصبي مراقبة الله، وصاح : إذا كان سيدي لا يرانا، فأين الله ؟! فسُرَّ منه عبدالله بن عمر، ثم ذهب إلى سيده، فاشتراه منه وأعتقه.

● ما هو الإحسان ؟
الإحسان هو مراقبة الله في السر والعلن، وفي القول والعمل، وهو فعل الخيرات على أكمل وجه، وابتغاء مرضاة الله.
والإحسان مطلوب من المسلم في كل عمل يقوم به ويؤديه. وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيحد أحدكم شَفْرته، فلْيُرِح ذبيحته) رواه مسلم.

● من أنواع الإحسان :
• الإحسان مع الله :
وهو أن يستشعر الإنسان وجود الله معه في كل لحظة، وفي كل حال، خاصة عند عبادته لله - عز وجل -، فيستحضره كأنه يراه وينظر إليه. قال صلى الله عليه وسلم : (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) متفق عليه.

• الإحسان إلى الوالدين :
المسلم دائم الإحسان والبر لوالديه، يطيعهما، ويقوم بحقهما، ويبتعد عن الإساءة إليهما، قال تعالى : (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) (الإسراء : 23).

• الإحسان إلى الأقارب :
المسلم رحيم في معاملته لأقاربه، وبخاصة إخوانه وأهل بيته وأقارب والديه، يزورهم ويصلهم، ويحسن إليهم. قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء : 1). وقال صلى الله عليه وسلم : (من سرَّه أن يُبْسَطَ له في رزقه "يُوَسَّع له فيه"، وأن يُنْسأ له أثره "يُبارك له في عمره"، فليصل رحمه) متفق عليه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فَلْيَصِل رحمه) رواه البخاري.
كما أن المسلم يتصدق على ذوي رحمه، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان : صدقة، وصلة) رواه الترمذي.

• الإحسان إلى الجار :
المسلم يُحسن إلى جيرانه، ويكرمهم امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورِّثه) متفق عليه.
ومن كمال الإيمان عدم إيذاء الجار، قال صلى الله عليه وسلم : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤْذِ جاره) متفق عليه. والمسلم يقابل إساءة جاره بالإحسان، فقد جاء رجل إلى ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال له : إن لي جارًا يؤذيني، ويشتمني، ويُضَيِّقُ علي. فقال له ابن مسعود : اذهب فإن هو عصى الله فيك، فأطع الله فيه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن حق الجار : (إذا استعان بك أعنتَه، وإذا أستقرضك أقرضتَه، وإذا افتقر عُدْتَ عليه "ساعدته"، وإذا مرض عُدْتَه "زُرْتَه"، وإذا أصابه خير هنأتَه، وإذا أصابته مصيبة عزَّيته، وإذا مات اتبعتَ جنازته، ولا تستطلْ عليه بالبناء، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذِه بقتار قِدْرِك "رائحة الطعام" إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له منها، فإن لم تفعل، فأدخلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده) رواه الطبراني.

• الإحسان إلى الفقراء :
المسلم يُحسن إلى الفقراء، ويتصدق عليهم، ولا يبخل بماله عليهم، وعلى الغني الذي يبخل بماله على الفقراء ألا ينسى أن الفقير سوف يتعلق برقبته يوم القيامة وهو يقول : رب، سل هذا - مشيرًا للغني - لِمَ منعني معروفه، وسدَّ بابه دوني ؟
ولابد للمؤمن أن يُنَزِّه إحسانه عن النفاق والمراءاة، كما يجب عليه ألا يمن بإحسانه على أصحاب الحاجة من الضعفاء والفقراء؛ ليكون عمله خالصًا لوجه الله. قال تعالى : (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (البقرة : 263).

• الإحسان إلى اليتامى والمساكين :
أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأيتام، وبشَّر من يكرم اليتيم، ويحسن إليه بالجنة، فقال : (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا. وأشار بأصبعيه : السبابة، والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم : (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) متفق عليه.

• الإحسان إلى النفس :
المسلم يُحسن إلى نفسه؛ فيبعدها عن الحرام، ولا يفعل إلا ما يرضي الله، وهو بذلك يطهِّر نفسه ويزكيها، ويريحها من الضلال والحيرة في الدنيا، ومن الشقاء والعذاب في الآخرة، قال تعالى : (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) (الإسراء : 7).

• الإحسان في القول :
الإحسان مطلوب من المسلم في القول، فلا يخرج منه إلا الكلام الطيب الحسن، يقول تعالى : (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحج : 24)، وقال تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (البقرة : 83).

• الإحسان في التحية :
والإحسان مطلوب من المسلم في التحية، فعلى المسلم أن يلتزم بتحية الإسلام، ويرد على إخوانه تحيتهم. قال الله تعالى : (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) (النساء : 86).

• الإحسان في العمل :
والمسلم يُحسن في أداء عمله حتى يتقبله الله منه، ويجزيه عليه، قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) رواه البيهقي.
الإحسان في الزينة والملبس : قال تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف : 31).

● جزاء الإحسان :
المحسنون لهم أجر عظيم عند الله، قال تعالى : (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن : 60). وقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) (الكهف : 30). وقال : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة : 195).

■ فكم أتمنى ومن كل قلبي أن نكون كلنا محسنون في جميع أعمالنا وتعاملاتنا في الحياة.