من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. أحمد محمد أبو عوض.
إجمالي القراءات : ﴿2224﴾.
عدد المشــاركات : ﴿723﴾.

ماذا تعرف عن التنجيم ؟
■ ما يعرف بعلم التنجيم أو Astrology هو مجموعة من التقاليد، والاعتقادات حول الأوضاع النسبية للأجرام السماوية والتفاصيل التي يمكن أن توفر معلومات عن الشخصية، والشؤون الإنسانية، وغيرها من الأمور الدنيوية. ويسمى من يعمل فيه بالمنجم ويعتبر العلماء إن التنجيم من العلوم الزائفة أو الخرافات.
من المعروف أن التنجيم نشأ في بابل، فاستنفر الكثير من جهود الإنسان، ولقي رواجاً واسعاً عبر التاريخ، ولاسيما في القرون الأخيرة السابقة لمجيء المسيح. واستمر الاهتمام به حتى في العهود الإسلامية الذهبية، لأن الإنسان بطبيعته تواق دائماً إلى معرفة المستقبل وتوقع الشرِّ قبل وقوعه. كذلك فإن التنجيم ساهم في تقدم علم الفلك والأنواء بسبب اعتماده على رصد الظواهر العلوية. وهذا يتطلب استنباط الرياضيات التي تصفها، وابتكار آلات الرصد الدقيقة، ورصد الظاهرات الكونية الاستثنائية. ولقد ذكر جورج سارتون ما يلي: "إننا بحاجة إلى بعض المعارف للخرافات القديمة لتكشف لنا انتصار المذهب العقلي على المعتقدات غير العقلية وخلافاً لذلك فيكون التأريخ ناقصاً".

لقد حار الإنسان في أمر الظواهر العلوية. فمنها المفيد ومنها الضار؛ بعضها مفرح وجميل، مثل ظهور قوس قزح – قوس الله في الإسلام –، وبعضها مجلبة للشؤم والترح، مثل ظهور المذنبات والمستعرات ونجم الغول (نجم الشيطان) والكسوف والخسوف وظهور الزهرة إلخ. لذلك اعتقد الأقدمون بأن أي حدث في السماء لابد أن يكون له مقابل على الأرض. من هنا فإن أية علامة شؤم فيه كان يُنظَر إليها بالضرورة على أنها ذات علاقة بالشعب بصورة عامة.

ولقد اعتُقِد بأن الأجرام السماوية تتألف من مادة أثيرية (سماوية) تختلف عن مادة أرضنا، فأعطيت لها قدسية خاصة، ولاسيما الكواكب الخمسة والنيِّرين. فكان كل منها يحكم إحدى طبقات السماء السبع، وهو ربُّها وحاكمها. والغريب أن إخوان الصفا علَّموا في رسائلهم أن الملائكة تحكم هذه السماوات السبع وأن عرش الله فوقها في الفلك المحيط الذي يلي فلك النجوم الثابتة، خلافاً لما جاء في القرآن الكريم: "وسع كرسيه السموات والأرض..."، "وهو معكم أينما كنتم..."!

انتقلت هذه المفاهيم والأساطير البابلية إلى الأقطار والشعوب المجاورة، مثل اليونان والفرس والسريان وعرب الجاهلية واليهود. ولعل أكثر هذه الأجرام تقديساً كوكب الزُّهرة، لأنه رمز للجمال وللخصوبة: فقد عُبِدت الزهرة في بابل باسم عشتار، وفي سومر باسم إنانا، وانتقلت عبادتها إلى بلاد الإغريق والرومان بواسطة الفينيقيين باسم أفروديتي أو فينوس، وإلى عرب الجزيرة بواسطة الصابئة واليهود – تلامذة الكلدان – باسم العُزَّى. وكانت الشمس في بلاد بابل تُعبَد باسم أوتو أو شمش، ويمثَّل لها بنجمة دائرية تصدر منها الأشعة. وحتى عرب الجاهلية كانوا يعبدونها ويسمونها إلاهه. كما كان للقمر منزلة خاصة عند قدماء الرافديين. فإله القمر كان يدعى سين ويرمز له بهلال، ويُستخدَم رصده أساساً للتقويم القمري الذي اعتمدوه؛ فكانوا يمارسون طقوسهم الدينية وأعيادهم في أول الشهر القمري وفي اليومين السابع والخامس عشر وفي يوم اختفائه، وتُذبَح الأضاحي في يوم الهلال الجديد وعندما يكون بدراً.

وقد كان لكل ظاهرة علوية إله يسيطر عليها: فـإنليل إله الهواء، ويشكر أو آدد إله الصواعق والأمطار، وآنو إله السماء السابعة. ويُعتقَد أن مجرة الطريق اللبني Milky Way في السماء (مجرة الكبش) هي موضع انفطار السماء، وكانت تسمى باب السماء أو فتقها أو درب التبانة أو مسحل الكبش.

ولازال بعض الناس في أوروبا ينسب بعض أشكال الجنون إلى القمر (ومنه جاءت كلمة lunatic المشتقة من Luna التي تشير إلى "المجذوب" أو المجنون).

وقد اعتُقِد بأن الظواهر العلوية تؤثر على حظوظ الملوك والأفراد والشعوب، وتنذر بقدوم الأوبئة والحروب والقحط والفيضانات. ويُعرَف هذا النوع من التنجيم بـ"علم معرفة الأحكام"؛ وهو يعتمد على رصد الظواهر السماوية، ولاسيما النجوم والكواكب والمذنبات، وعلاقة بعضها ببعض، مثل الاقتران والتقابل. أما النوع الآخر فيسمى بـ"تنجيم الأبراج"؛ وهو يعتمد على رصد الأبراج عند لحظة ولادة الفرد. وقد عُرِف في بابل قبل بلاد اليونان ومصر. ولقد أشار نص البابلي يعود إلى 700 سنة ق م إلى علامات البروج، وذكر خمسة عشر برجاً تقع في دائرة عرضها يقارب 18 ْ، يشاهَد فيها الشمس والقمر والكواكب. ثم تقلصت إلى اثني عشر برجاً لتتفق مع السنة التقويمية المؤلفة من اثني عشر شهراً، حيث تبقى الشمس في كل برج ثلاثين يوماً، وتم تقسيم دائرة البروج إلى 360 ْ. وكان ذلك منذ 419 ق. م. على الأقل.

أما الإغريق فلم تصلهم فكرة الأبراج إلا في وقت متأخر. فكان أقدم ذكر للأبراج عند الرومان، وقد دُوِّن على البردي عام 62 ق م. ولم يقسم اليونان دائرة البروج إلى 360 ْ إلا في زمن هيباسيلس قبل سنتين من ميلاد المسيح، بينما يرجع تأريخ التنجيم البابلي بالأبراج إلى النصف الثاني من الألف الأول ق م. وهناك أمثلة على تنجيم معرفة الأحكام تعود إلى بداية الألف الثالث ق م، أو حتى إلى عهد سرجون الأول حوالى عام 2370 ق م. ولقد بلغ التنجيم ذروته في العهد الكلداني ثم انتقل إلى بلاد فارس واليونان. ومن أشهر المهتمين به بطليموس الإسكندري (150 ق م). فكتابه المقالات الأربعة Tetrabiblas لازال يُعمَل به حتى اليوم، وهو يحوي خلاصة موسَّعة لمعارف الرافديين في التنجيم.

أما في أيامنا هذه فيعتقد المنجمون بأن للتنجيم حقائق ثابتة لا تتبدل مع الزمن؛ ومنها أن كل مولود، سواء كان ذكراً أم أنثى، تسيطر على حياته منذ ولادته وطوال عمره بعض الكواكب، بحسب موقعها في الأفق ساعة ولادته، وموضع كل منها بالنسبة للآخر، وسرعة حركاتها وانتقالاتها. يقول في ذلك أحد الفلاسفة اليونانيين القدماء: "إن تأثير الكواكب على حياة الإنسان يشبه تأثير الحرارة والضوء عليه؛ فإنه يشعر بها ولا يراها".