من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. أحمد محمد أبو عوض.
إجمالي القراءات : ﴿2304﴾.
عدد المشــاركات : ﴿722﴾.

تعريف الوضوء :
● الوضوء لغة : بضم الواو ـ مشتق من الوضاءة، وهي النظافة والحسن، وأما بفتح الواو فهو الماء الذي يتوضأ به.
● شرعاً : التعبد لله تعالى بغسل الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة.

■ فضل الوضوء :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ، أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ، وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) [1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ [2] مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ) [3].
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في منهج السالكين : (وَهُوَ : أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ اَلْحَدَثِ، أَوْ اَلْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا. وَالنِّيَّةُ: شَرْطٌ لِجَمِيعِ اَلْأَعْمَالِ مِنْ طَهَارَةٍ وَغَيْرِهَا); لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا اَلْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَى) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

■ صفة الوضوء :
● أولاً : النية ــ والنية شرط لصحة الوضوء؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً : (إِنَّمَا اَلْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَى) [4]. فلا يصح وضوء بلا نية رفع الحدث الذي منعه من العبادة، ومعلوم أن النية ملازمة للإنسان في كل الأفعال فإنه لا يعمل عملاً إلا بنية، وعلى هذا لا يتشدد في النية حتى لا يدخل في باب الوسوسة، والنية محلها القلب والتلفظ بها بدعة.
قال : في (الإقناع) (5) : (والتلفظ بها وبما نواه هنا وفي سائر العبادات بدعة).
وإذا قطع النية انقطعت العبادة فلو أن إنساناً نوى الوضوء فغسل وجهه ويديه، ثم قطع النية وعزم على ترك الوضوء، ثم غسل رجليه لأجل أن يتنظف لم يرتفع حدثه.
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في منهج السالكين : (ثُمَّ يَقُولَ : "بِسْمِ اَللَّهِ". وَيَغْسِلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا. ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا، بِثَلَاثِ غَرْفَاتٍ. ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا).

● ثانياً : التسمية ــ وهي سُنَّة عند جمهور العلماء، ويدل على ذلك : حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : (لاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ) [5]. ولهذا الحديث طرق يتقوى بها، ويُحْمل هذا الحديث على الاستحباب.
والصارف عن الوجوب : أن الذين وصفوا وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا التسمية في تعليمهم الوضوء مع أنهم في مقام التفصيل.

● ثالثاً : غسل الكفين ثلاثاً ــ وغسل اليدين سُنَّة؛ لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه في صفة وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم وفيه : (دَعَا بِوَضُوءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) [6].
والصارف عن الوجوب : قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ (المائدة : 6).
ولم يذكر غسل الكفين، وفي هذا دلالة على أن غسلها ليس بواجب.
ويسن له أن يستاك إذا أراد الوضوء، ومحله عند المضمضة.
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ) [7].

● رابعاً : المضمضة والاستنشاق ــ والمضمضة والاستنشاق واجبان على الصحيح؛ لأنهما من تمام غسل الوجه.
والمضمضة : هي إدارة الماء في الفم، والاستنشاق: نشق الماء أي اجتذابه بالنفس، والاستنثار : نثره، أي دفعه بقوة النفس.
ويسن أن يتمضمض ويستنشق من كف واحدة ثلاث مرات، وإن فعل مرة واحدة أجزأ.
♦ الأدلة :
أ- حديث عثمان رضي الله عنه في صفة وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم وفيه : (فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ) [8].
ب- حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه في صفة وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم وفيه (ثُمَّ أَدْخَلَ صلى الله عليه وسلم يدَهُ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا) [9].
ج- حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه مرفوعاً : (إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ) [10].
د- حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لْيَسْتَنْثِرْ) [11].
قال ابن القيم رحمه الله : (ولم يتوضأ صلى الله عليه وسلم إلا تمضمض واستنشق، ولم يُحفظ عنه أنه أخل به مرة واحدة) [12] أ. هـ.
ومن السُنَّة المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم، لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : (أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ وَبَالِغْ (6) فِي الاسْتِنْشَاقِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) (7).

● خامساً : غسل الوجه ــ فرض من فروض الوضوء لقوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ (المائدة : 6). ولحديث عثمان رضي الله عنه السابق في صفة وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا).
والوجه : هو ما تحصل به المواجهة، وحدّه طولاً : من منحنى الجبهة - أي من منابت الشعر المعتاد - إلى أسفل اللحية. وعرضاً : من الأذن إلى الأذن، وغسل الوجه فرض من فروض الوضوء، والتثليث - أي غسله ثلاثاً - سُنَّة.
ويجب غسل مسترسل اللحية أي ظاهرها؛ لأنه من الوجه فتحصل به المواجهة، وأما اللحية فمن السُنَّة تخليلها؛ لحديث عثمان رضي الله عنه : (أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ فِي الْوُضُوءِ). ولهذا الحديث شواهد يتقوى بها.
قال البخاري رحمه الله : (أصح شيء عندي في التخليل حديث عثمان).
واللحية إما خفيفة : وهي التي لا تستر البشرة بحيث ترى البشرة من خلفها فهذه يجب غسلها وما تحتها.
وإما كثيفة : تستر البشرة وهذه لا يجب إلا غسل ظاهرها فقط.
قال المصنف رحمه الله : (وَيَدَيْهِ إِلَى اَلْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا. وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِلَى قَفَاهُ بِيَدَيْهِ. ثُمَّ يُعِيدَهُمَا إِلَى اَلْمَحَلِّ اَلَّذِي بَدَأَ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً. ثُمَّ يَدْخُلَ سَبَّاحَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ، وَيَمْسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَهُمَا. ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ مَعَ اَلْكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا،هَذَا أَكْمَلُ اَلْوُضُوءِ اَلَّذِي فَعَلَهُ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم).

● سادساً : غسل اليدين إلى المرفقين ــ غسل اليدين فرض من فروض الوضوء؛ لقوله تعالى : ﴿فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ (المائدة : 6). ولحديث عثمان رضي الله عنه في صفة وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم : (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا) [13].
وغسل اليدين يبتدئ من أطراف الأصابع، وإلى المرفق الذي بين الذراع والعضد، وسمي المرفق مرفقاً؛ لأنه يرتفق عليه، والمرفقان داخلان في غسل اليدين؛ لحديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه : (أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ) [14].
وجاء عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صفة وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم : (أَنَّهُ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ)[*].
وغسل اليدين إلى المرفقين فرض من فروض الوضوء، والتثليث سُنَّة.
(أي: أن غسل الأعضاء ثلاث مرات سُنَّة، فيجزئ واحدة وأما الثانية سُنَّة، كذلك البداءة بالأيمن قبل الأيسر سُنَّة، كأن يغسل يده اليمنى ثم اليسرى، وكأن يغسل رجله اليمنى قبل اليسرى كذلك سُنَّة).
• يسن عند غسل اليدين أن يخلل بين الأصابع.
حديث لقيط بن صَبِرَة رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : (وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ). والتخليل أن يدخل أصابعه بعضها ببعض، وتخليل أصابع الرجلين يكون بخنصر اليد اليسرى؛ لحديث المستورد بن شداد رضي الله عنه قال : (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَوَضَّأَ يَدْلُكُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ).

● سابعاً : مسح الرأس ــ ومسح الرأس فرض من فروض الوضوء.
وحدّه : من مقدمه الذي هو منابت الشعر إلى منتهى الشعر وهو القفا؛ لقوله تعالى : ﴿وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ﴾ (المائدة : 6).
ولحديث عثمان رضي الله عنه في صفة وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم : (.. وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ..) [15].

♦ صفة مسح الرأس :
أن يبدأ فيضع يديه على مقدم رأسه ثم يمر بهما على الشعر والرأس إلى القفا، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، لحديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه المتفق عليه في صفة وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم : (بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ) [16] وهذه الصفة من السُنَّة فعلها، وإلا فأي صفة تعم الرأس بالمسح فهي مجزئة، ويجب أن يستوعب جميع الرأس ولا يجزئ بعضه.
• مسح الرأس يكون مرة واحدة :
لحديث علي رضي الله عنه في صفة وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم : (فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مرةً وَاحِدَةً) [17].
وجميع الأحاديث التي وصفت وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يرد فيها مسح الرأس ثلاثاً.

● ثامناً : مسح الأذنين ــ ومسح الأذنين تابعاً للرأس، فلا يسن أن يأخذ لهما ماء جديداً؛ لعدم الدليل، وإنما تمسح مع الرأس في نفس الماء الذي أخذه.
• صفة مسحهما :
أن يدخل السبابتين في خرق الأذن - أي صماخها - ثم يمسح ظاهر الأذنين بالإبهامين حتى يكون قد مسح أذنيه.
لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم في صفة وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم : (ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ).

● تاسعاً : غسل الرجلين ــ وغسل القدمين مع الكعبين فرض من فروض الوضوء.
لقوله تعالى : ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ...﴾ (المائدة : 6).
ولحديث عثمان رضي الله عنه في صفة وضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم : (ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلَاثًا).

• غسل القدمين مجمع عليه بين أهل العلم. خلافاً للرافضة فإنهم يذهبون إلى المسح، ويستدلون بقراءة الجر (وأرجلِكم) وأهل السنة والجماعة يستدلون بفعل النَّبي صلى الله عليه وسلم وبحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما المتفق عليه مرفوعاً : (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ) ويستدلون بقراءة النصب (وأرجلَكم) ويحملون قراءة الجر على الخفض بالمجاورة، أو أن المقصود المسح على الخفين، وهذه الصفة هي أكمل الوضوء الذي فعله النَّبي صلى الله عليه وسلم.

♦ فائدة : غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل القدمين، اتفق الأئمة الأربعة على أنها من فروض الوضوء.

♦ الدعاء الوارد بعد الوضوء :
عن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ) [18]. وأما زيادة : (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) فهي زيادة رواها الترمذي، وهي غير ثابتة؛ لأنها من تَفَرُّدِ محمد بن جعفر شيخ الترمذي. [19] أو ما جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا : (من توضأ ففرغ من وضوئه فقال : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ اسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ كُتِبَ فِي رِقٍّ ثُمَّ طُبِعَ بِطَابِعٍ [20] فَلَمْ يُكْسَر إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة) [21].
• قال ابن القيم رحمه الله : (الأذكار التي تقولها العامة على الوضوء عند كل عضو لا أصل لها عنه صلّى الله عليه وسلّم).

قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في منهج السالكين : (وَالْفَرْضُ مِنْ ذَلِكَ : أَنْ يَغْسِلَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَنْ يُرَتِّبَهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ اَللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : ﴿يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى اَلْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ﴾ (اَلْمَائِدَةِ : 6) وَأَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهَا بِفَاصِلٍ طَوِيلٍ عُرْفًا، بِحَيْثُ لَا يَنْبَنِي بَعْضُهُ عَلَى بَعْضِ، وَكَذَا كُلُّ مَا اِشْتُرِطَتْ لَهُ اَلْمُوَالَاةُ).
في غسل الوجه واليدين والقدمين الفرض منها أن يأتي بغسلة واحدة، وأما الغسلة الثانية والثالثة فهي سُنَّة كما سبق.
♦ ويدل على ذلك :
أ. الآية حيث جاءت مطلقة بدون ذكر عدد معين قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ (المائدة : 6).
ب. حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري : (أن النَّبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة) [22] وثبت أن النَّبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين كما في حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه المتفق عليه، وثبت أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً كما في حديث عثمان رضي الله عنه المتفق عليه. ولذا فمن السُنَّة التنويع فأحياناً يتوضأ مرة مرة، وأحياناً مرتين مرتين، وأحياناً ثلاثاً ثلاثاً، وأحياناً يخالف في العدد فيغسل مثلاً الوجه ثلاثاً واليدين مرتين والقدمين مرة كما في الصحيحين من حديث عبدالله بن زيد في رواية أخرى [23].
ج. قال ابن القيم رحمه الله : (ولم يزد على ثلاث، بل أخبر أن من زاد عليها فقد أساء وتعدّى وظلم) فالموسوس مسيء متعد ظالم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يتقرب إلى الله بما هو مسيء به متعد فيه لحدوده ؟! [24].
وحكى النووي رحمه الله الإجماع على كراهة الزيادة على ثلاث [25].

● الترتيب :
وهو أن يطهر كل عضو في محله، وهو من فروض الوضوء، فالترتيب هو : أن يأتي بفروض الوضوء مرتبة كما في كتاب الله، فيبدأ بالوجه، ثم اليدين، ثم الرأس، ثم القدمين وهذه فروض لا بد من الترتيب بينها.
♦ ويدل على ذلك :
أ. الآية السابقة قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ...﴾ (المائدة : 6).
وفروض الوضوء في الآية جاءت مرتبة، وفي الآية إدخال ممسوح - وهو الرأس - بين مغسولات، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا بفائدة، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله.
ب. أن جميع الواصفين لوضوء النَّبي صلى الله عليه وسلم ذكروا وضوءه مرتباً، على حسب ما ذكر الله عز وجل.

● الموالاة : وهو أن لا يؤجل غسل عضو حتى ينشف الذي قبله.
مثال : لو أراد مسح الرأس ولكنه تأخر حتى نشفت اليدين، فإن الموالاة قد فاتت حينئذ وعليه أن يعيد الوضوء من أوله، ولكن لو أراد مسح الرأس ونشف الوجه، ولم تنشف اليدين فهو مجزئ؛ لأن العبرة بالذي قبله.

♦ يستثنى من ذلك :
وقت الريح الذي ينشف فيه العضو بسرعة فهذا لا يعتبر، وكذلك لو انشغل بشيء متعلق بالطهارة كأن يريد غسل يديه ووجد في ذراعه صبغ يريد إزالة، واحتاج إلى وقت وهو يزيله، ولما أزاله نشف وجهه فهذا لا يعتبر وهكذا.
والموالاة فرض من فروض الوضوء.
ويدل على ذلك: حديث خالد بن معدان رضي الله عنه عن بعض أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم : (رَأَى رَجُلاً يُصَلِّى وَفِى ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ).

♦ فائدة : إذا فرغ الإنسان من وضوءه، وقد نسي عضواً من الأعضاء، فإن ذكره قريباً بحيث لا تنقطع الموالاة غسله وما بعده حتى يتم وضوءه.
مثال : شخص توضأ ونسي غسل يده اليسرى، وتذكر بعدما فرغ من وضوءه؛ فنقول له : اغسل يدك اليسرى، ثم أمسح رأسك وأذنيك، ثم أغسل قدميك وهنا تم وضوءه، ولكن هذا ما لم يتذكر بعد مدة طويلة تنقطع بها الموالاة فهنا يعيد الوضوء من أوله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
● مستلة من بداية المتفقهين في شرح منهج السالكين (كتاب الطهارة).
[1] رواه مسلم برقم (244).
[2] والحلية ما يتحلى به سواء من ذهب أو فضة أو لؤلؤ.
[3] رواه مسلم برقم (250).
[4] رواه البخاري برقم (1)، رواه مسلم برقم (1907). (5) أنظر : الإقناع (1/24).
[5] رواه أبو داود برقم (101).
[6] رواه البخاري برقم (159)، رواه مسلم برقم (226).
[7] رواه أحمد برقم (7412).
[8] رواه البخاري برقم (159)، رواه مسلم (226). (6) بالغ : والمبالغة هي : إدارة الماء بقوة بحيث يحوي جميع الفم وليس المقصود الزيادة فوق العدد المسنون.
[9] رواه البخاري برقم (192)، رواه مسلم برقم (235). (7) رواه أحمد برقم (17846)، رواه أبو داود برقم (142).
[10] رواه أبو داود برقم (144). (8) رواه البخاري برقم (159)، رواه مسلم برقم (226).
[11] رواه البخاري برقم (162)، رواه مسلم برقم (237). (9) رواه الترمذي برقم (31).
[12] نظر : زاد المعاد (1/194).
[13] رواه البخاري برقم (159)، رواه مسلم برقم (226). (4) رواه أحمد برقم (17846)، رواه أبو داود برقم (142).
[14] رواه البيهقي برقم (259)، والدار قطني برقم (15). (5) رواه أبو داود برقم (148).[*] رواه مسلم برقم (246)
[15] رواه البخاري برقم (159)، رواه مسلم برقم (226). (4) رواه أبو داود برقم (135).
[16] رواه البخاري برقم (158)، رواه مسلم برقم (235). (5) رواه البخاري برقم (163)، رواه مسلم برقم (241).
[17] رواه أبو داود برقم (111).
[18] رواه مسلم برقم (234).
[19] ذكره الحافظ في نتائج الأفكار (1/244).
[20] الطابع : بفتح الباء وكسرها لغتان فصيحتان وهو الخاتم، ومعنى طبع : ختم.
[21] رواه الحاكم برقم (2072).
[22] رواه البخاري برقم (157). (4) انظر : زاد المعاد (1/192).
[23] رواه البخاري برقم (158)، رواه مسلم برقم (235). (5) انظر : إغاثة اللهفان (1/127).
[24] رواه البخاري برقم (159)، رواه مسلم برقم (226). (6) انظر : شرح مسلم للنووي (3/111).
[25] رواه أحمد برقم (15495)، رواه أبو داود برقم (175).
■ الألوكة.