من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. أحمد محمد أبو عوض.
إجمالي القراءات : ﴿4240﴾.
عدد المشــاركات : ﴿722﴾.

في الثقافة القانونية : الآداب العامة.
■ يرد مصطلح (الآداب العامة) غالباً في الثقافة القانونية عند الحديث عن النظام العام، وما ذلك إلا لأنها من الامتدادات التي تتعلق بمفهوم المصلحة العامة للمجتمع، والتي يعتمد عليها مفهوم النظام العام.
وإذا كان النظام العام هو مجموعة المبادئ الأساسية (السياسية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ الخلقية) التي يقوم عليها مجتمع ما في وقت من الأوقات، فإن الآداب العامة في الثقافة القانونية هي مجموعة المبادئ النابعة من المعتقدات الدينية والأخلاقية المتوارثة اجتماعياً والعادات والتقاليد والأعراف المتأصلة في مجتمع ما، في زمان معين والتي يعد تجاوزها انحرافاً لا يرضى به المجتمع.
وإذا كانت قواعد الآداب العامة تتصل بقواعد النظام العام الذي يرد في نصوص القانون وقواعد الأخلاق المجتمعية، فإنها قد تختلف عنهما في بعض الأوجه.
فالآداب العامة تختلف عن النظام العام في نطاقها : فالآداب العامة ـ ومع أنها تتعلق على وجه الخصوص بالأسس المتصلة بالفعاليات الجنسية ـ إلا أنها تشمل كذلك بعض الممارسات الأخرى كالتباطؤ في الإبلاغ عن المخالفات. أما النظام العام فيتسع ليضم، بالإضافة إلى الآداب العامة، المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها المجتمع.
وتختلف الآداب العامة عن قواعد الأخلاق المجتمعية، فمن المعلوم أن الفقه القانوني يفرق بين قواعد الآداب العامة وقواعد الأخلاق المجتمعية منساقاً وراء التفرقة بين قواعد القانون عامة وقواعد الأخلاق المجتمعية.

● ومن الممكن إيجاز الفروق السابقة في النقاط التالية :
1 ـ من حيث النطاق : فدائرة قواعد الأخلاق المجتمعية هي أوسع من دائرة وقواعد الآداب العامة لأن قواعد الآداب العامة تهتم بواجب الفرد نحو المجتمع، في حين تهتم قواعد الأخلاق المجتمعية (إضافة إلى ذلك) بواجب الفرد نحو نفسه، وهي تهتم بالغايات إضافة إلى السلوك غير المرئي الخارجي. وبمعنى آخر يقال إن قواعد الآداب العامة تنضوي تحت قواعد الأخلاق المجتمعية.

2 ـ من حيث الغاية : إن غاية الأخلاق المجتمعية هي الوصول بالإنسان إلى الصحة النفسية، أما غاية الآداب فهي حماية المجتمع من أنواع السلوك التي يمكن أن تؤدي إلى انحلاله.

3 ـ من حيث الجزاء : لا يترتب من حيث الأصل على الخروج على قواعد الأخلاق المجتمعية أي جزاء مجتمعي إلا ما ينص عليه القانون، في حين يترتب على الخروج على قواعد الآداب العامة عقوبة موثقة، وقد يكون هناك جزاء إضافي.

والآداب العامة بحكم كونها جزءاً من النظام العام تستمد بعض خصائصها من هذا النظام. فقواعد الآداب العامة قواعد نسبية متغيرة تختلف باختلاف المكان والزمان، ومن مجتمع إلى آخر، ومن جيل إلى جيل في المجتمع الواحد. فما يعد مخالفاً للآداب العامة في مجتمع ما، قد يكون مستحسناً في مجتمع آخر. وما يعدّ مرفوضاً مجتمعياً في حقبة زمنية قد يُمسي مرحباً به في الجيل القادم.

ولعل هذه الخصائص التي تُرى في الآداب العامة لا يمكن الوصول إلى معيار محدد لها سوى القانون الأدبي للجماعة.

■ وفي الثقافة التربوية :
فإن الأصل أن يتم تحديد وتفعيل هذا المعيار من قبل (المشرف ــ القائد ــ المدير) الذي يتمتع بسلطة مهنية، إلا أن سلطته هذه ليست مطلقة. فيجب عليه، وهو يقوم بتحديدها وتفعيلها، أن ينطلق من أنه يمثل المجتمع عامة، ومؤسسته التربوية على وجه الخصوص، في التعبير عن قانونها الأدبي والأخلاقي، أي يجب أن يكون تفكيره موضوعياً ويستند إلى الشعور العام السائد والروح العامة للنظام القانوني القائم فيه.
وعلى هذا، فإنه يُحظر عليه أن ينطلق في تحديد وتفعيل ما يعدّ من الآداب العامة من معتقداته الشخصية، وانطباعاته الخاصة، وميوله الفلسفية، وآرائه الأخلاقية، أو من آراء بعض العاملين أو المتعاملين معه، وإنما يجب عليه أن يضع نفسه في ضمير الجماعة التي ينتمي إليها وينطلق من ذلك في تحديد التشريع الأدبي السائد فيها في زمن معين.

كما إن سلطة (المشرف ـ القائد ـ المدير) في تحديد مضمون الآداب العامة يُفترض أن تخضع لرقابة من جهات تشريعية أعلى وذلك للحيلولة دون الانحراف في التقدير.

إن من المعلوم أن القواعد المتعلقة بالآداب العامة هي قواعد آمرة، وهي تعدّ قيداً على مبدأ سلطان الإدارة في إجراء التصرفات القانونية، بمعنى أنه يجب على الأفراد تطبيقها.

وبوجه عام فإن كل إجراء يكون سببه مخالفاً للآداب العامة، يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً. ولا يترتب عليه أي أثر، ولا يمكن أن يزول هذا البطلان بإجازته، أو بمرور الزمن عليه، ويستطيع كل متضرر أن يتمسك به، ويجب على صاحب القرار أن يحكم به من تلقاء نفسه، ولو لم يطلب منه ذلك. ويترتب على البطلان من الناحية القانونية إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الإجراء، إذا كان ذلك ممكناً، أو الحكم بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية.