من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. محمد عبدالله الشدوي.
إجمالي القراءات : ﴿5412﴾.
عدد المشــاركات : ﴿34﴾.

الحواس الست : منافذ العلم والمدركات.
وتلك الحواس هي :
1- السمع.
2- البصر.
3- الشم.
4- التذوق.
5- اللمس.
6- الحدس.

وهذه المنافذ إنما تقبل ما يتصل بها مما طبعت له إذا كان وروده عليها ورودًا لطيفًا باعتدال لا جور فيه، وبموافقة لا مصادة معها "وما تدركه الحواس لا يفسر بانفعال نفسي ولكنه يفسر في العقل والعقل يحكم عليه بالصحة أو الخطأ، أو يرضى عنه أو يرفضه بمقدار ما يتمثل فيه للقوانين الطبيعية المتوافقة في الخارج وفي العقل، فالأساس الحسي النفسي يضع في الأشياء مشاعر من خلال المدركات الحسية، والأساس الحسي العقلي يكشف في الأشياء قوانين تتفق معه من خلال هذه المدركات الحسية" (الأسس الجمالية في النقد العربي، د. عز الدين إسماعيل، ص 179).
وصدق الله تعالى إذ يقول : (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (النحل : 108) يقول السعدي في تفسير هذه الآية : (فطبع على قلوبهم فلا يدخلها خير وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فلا ينفذ منها ما ينفعهم ويصل إلى قلوبهم فشملتهم الغفلة) (انظر كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص449).

1- دائرة النفس (الوجدان).
والنفس الإنسانية هي "الرحم الذي تولدت منه كل العلوم والفنون" (انظر د . محمد خلف الله أحمد في كتابه من الوجهة النفسي في دراسة الأدب ونقده، ص 20)
ومن معاني النفس (الدم) (انظر المعجم الوسيط ج2) ويغلب على إحساسي شخصيًا بأن الدم السائل المعروف له علاقة كبيرة جدًا في عملية تساقي الدوائر الثلاث وسوف يكشف العلم يومًا هذا السر الكبير أما ترى المرضى بضغط الدم يفقدون سيطرتهم على نفوسهم أو يكادون ـ فسبحان الله !
وسنستخدم في تجربتنا هذه التعبير بكلمة الوجدان بدلاً من النفس تأدبًا حيث ورد في المعاجم من معاني كلمة النفس (الروح) - وهذا محال من وجهة نظري - إذ الروح مفتاح من مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا الله (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) وكل ما يتعلق بالروح أو الغيبيات لا يجوز الخوض فيه لأنه في علم الله ومرده إلى الله علام الغيوب كما أن التعبير بكلمة (الوجدان) أدق في تجربتنا هذه حيث تعني "الإحساس الأولي باللذة أو الألم، وهو ضرب من الحالات النفسية من حيث تأثره باللذة والألم في مقابل حالات أخرى تمتاز بالإدراك والمعرفة" انظر هذا المعنى في (المعجم الوسيط ج2 ص : 1013).
إن الحياة الوجدانية تلعب دورًا عظيمًا للغاية "حتى بالنسبة للمبدعين الذين تتسم إنتاجا تهم الإبداعية بدرجة كبيرة من العقلانية، فإن البطانة الوجدانية المعتملة في قوام شخصياتهم تلعب دورًا بعيد المدى وذات فاعلية عميقة في فكرهم وأدائهم والواقع أن الطاقة الوجدانية لدى المبدع بمثابة الوقود بالنسبة للمحركات على أن أهمية الوجدان ليست بذات قيمة كبيرة في حياة المبدعين فحسب، بل إنها ذات أهمية كبيرة أيضًا لجميع الناس على السواء. صحيح أن تلك الطاقة الوجدانية تكون دافقة وفائرة ومعتملة بشدة في قوام المبدع عنها في قوام الشخص العادي، ولكن هذا لا يسمح لنا بأن نغضي عن أهميتها في حياة الناس العاديين" (د. يوسف أسعد، الشخصية المبدعة، ص 213).
إلا أن دائرة النفس والوجدان لوحدها لا يمكنها أن تنتج شيئًا أو تصدر حكمًا إلا وكان قاصرًا وما حال السامري الذي سولت له نفسه صنع العجل واتخاذه إلهًا من دون الله إلا شاهد واضح على قصور النفس عن الهدى والوصول إلى الحقيقة إن لم تحط برعاية الله وهي لدى السامري لم تتساقَ مع الدائرتين التاليتين فكان ما كان.
يقول الله تعالى : (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) (طه : 96) حيث زينت له نفسه فعلته دون أن يعرض ذلك الأمر على قلبه وعقله فاستحق العقاب.
ولله در المتنبي وهو يخاطب ممدوحه بقوله : وفي النفس حاجات وفيك فطانة. حيث نقل ما احتدم في دائرة نفسه من حاجات لا يستطيع تحقيقها بنفسه فلم يجعلها تنتقل إلى دائرة قلبه وعقله بل نقلها مادة أولية إلى فطانة (أي : قوة استعداد الذهن لإدراك ما يرد عليه) الممدوح مباشرة إذ هو المعني باستصدار القرار.

2- دائرة القلب (الفؤاد).
والقلب وإن ورد بمعنى العقل في بعض المعاجم اللغوية إلا أن محله الجوف من الإنسان وجوف الإنسان بطنه وقد قال الله تعالى : (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (الأحزاب : آية 4) ومن أسماء القلب (الفؤاد) وربما سمي بذلك من تفأدت النار إذا توقدت.
إن ذلك التدفق والفوران المعتمل في الوجدان لا يلبث أن تتساقاه النفس والقلب الذي سمي قلبًا لتقلبه كما تذكر كتب المعاجم وهذا القلب "عضو عضلي أجوف يستقبل الدم من الأوردة ويدفعه في الشرايين وبه تجويفان : يساري به الدم الأحمر، ويميني به الدم الأزرق المحتاج إلى التنقية" (انظر المعجم الوسيط ج2، ص 753).
والقلب أو الحركة القلبية أو قلب الأمر الاختبار والتبصر وهذا ما يؤكد أن القلب دائرة مهمة جدًا في تعلم الأمور وإدراكها وهو مرحلة ثانية أو دائرة ثانية صالحة لاختبار الأشياء وتبصرها لكنه لم يرق وحده إلى الإنتاجية فهو لا يزال في مرحلة الليونة التي قال الله عنها : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران : 159).

3- دائر العقل.
هو الإمساك عن القبيح وقصر النفس وحبسها على الحسن، كما سميت العقول بالنهى أي الثبات والحبس ومنه النَّهي والنِّهي والتنهية للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع فيه لتسفله ويمنعه ارتفاع ما حوله من أن يسيح ويذهب على وجه الأرض (المخصص ج1، ص250)، (والأصل في العلم : تحكيم العقل في كل ما يعرض للإنسان من أمر. والمراد بالعقل : العقل الذي استوفى شروط الفهم التي تؤهله لإدراك ما يلقى إليه).

■ ومن جوانب دور العقل الذي يجب أن ينتج في ضوء مصباح شرع الله المعصوم ما يلي :
1- تحليل المركبات إلى وحداتها الطبيعية : ومثال ذلك ما نجد عليه علماء الأحياء الذين أخذوا في تحليل الأجسام الحية حتى وقفوا على الخلية وما تشتمل عليه من مقومات.
2- الكشف عن دينامية العلاقات القائمة بين الوحدات : فالإنسان المبدع في عملية التحليل إلى الوحدات التي تكون المركبات سواء كانت مركبات مادية في الجوامد أم في الكائنات الحية، أم مركبات لغوية، أم مركبات ذهنية، أم مركبات اجتماعية، فإنه لا يقصد التحليل لذات التحليل بل يستهدف الكشف عن الديناميات التي تعتمل في قوام ذلك الكل، والأنساق التفاعلية التي تربط فيما بين الوحدات في نطاق الكل.
ولذلك كان من عظمة هذا الدين الإسلامي العظيم أن جعل هذه العقول والنفوس من الضرورات الخمس التي يجب احترامها والحفاظ عليها.