أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عواض محمد القرشي.
إجمالي القراءات : ﴿5476﴾.
عدد المشــاركات : ﴿3﴾.

الإشراف الاحترازي.
ما كدت أدرج درجات التدريس الأولى، وأدلف نحو بحر التربية والتعليم الخضم إلا وأجد الذهن مشدوداً نحو بعض الملاحظات التربوية؛ والتي كان أشدها وضوحاً وأبينها تبلوراً هو ما أسميته هنا بــ(الإشراف الاحترازي).
حيث يعتبر (الإشراف الاحترازي) سمة بارزة في حقل الإشراف التربوي عندنا، ورغم قلة خبرة كاتب هذه السطور إلا أنها تؤهله لوصف هذه الملاحظة (بالظاهرة).

فإذا كان الأشراف التربوي : "عملية فنية شورية قيادية إنسانية شاملة غايتها تقويم وتطوير العملية التعليمية والتربوية بكافة محاورها" فإن الإشراف الاحترازي يختزل تلك العملية الشاملة في ملاحظات بسيطة وعامة جداً يغلب عليها (التحوط) والاحتراس.
وتتسم ظاهرة (الإشراف الاحترازي) بعدم وصفها لما هو قائم فعلاً بل تحاول إبداء ملاحظات ذات سمة عامة ومشتركة - وأحياناً احتمالية الوقوع - وتترك وقت وكيفية المعالجة مفتوحاً على مصراعيه ومشرعاً لكل احتمال دون أن تُحدد وتُعين؛ أي تحيل إلى مستقبل مجهول وطرائق علاج مجهولة أيضاً، وثمة صفة ملازمة للإشراف الاحترازي وهي صفة (التكرارية)؛ حيث نجد هناك بعض الملاحظات تتكرر بشكل نمطي ممل.
فلو دققنا النظر في محاضر اجتماع مديري المدارس - بوصفهم مشرفين مقيمين - بكادر المدرسة المختلف (معلمين ـ إداريين ..) ولو أعدنا النظر كرتين في توصياتهم وملاحظاتهم وتقويمهم لوجدنا ملاحظتنا / الظاهرة متربعة هناك وبشكل لافت (*) وإذا يممنا شطر (المشرف التربوي) سنجد ملاحظتنا / الظاهرة واضحة بشكل جلي، بل يتخذ (الإشراف الاحترازي) صورة سافرة وذلك عندما يتعلق الأمر ببعض الأمور الحساسة كالقضايا وغيرها.
ويبدو أن الوقت قد حان لإبداء بعضاً من صور (الإشراف الاحترازي) عند كل من مدير المدرسة والمشرف التربوي ولو بشكل سريع ومقتضب.
فعند تفحص استمارة تقويم الأداء الوظيفي للمعلم سنجد هناك أمراً ملفتاً ويكاد يكون مكرراً؛ وهو أن علامات المعلم تنخفض في بنود تكاد تكون محددة ومنها (مراعاة الفروق الفردية للمتعلمين) و (استخدام الوسائل التعليمية) و (مستوى تحصيل الطلاب العلمي) بل يأخذ الأمر مساراً حاداً عندما يحدث هناك بعض التناقض في استمارة الأداء؛ فنجد درجة المعلم قد تنخفض في بند (المحافظة على أوقات الدوام) في محور (الأداء الوظيفي) بينما هناك درجة مكتملة في بند (تقدير المسؤولية) و (تقبل التوجيهات) في محور الصفات الشخصية.
وهذا عينه ما نجده عند المشرف التربوي في كثير من الأحايين، فملاحظة (الفروق الفردية) مثلاً ليس شرطاً أن المشرف التربوي قد وجدها حقاً قائمة، وفي الوقت ذاته ليس بمقدور المعلم نكرانها؛ لأنها سمة عامة ومشتركة - فهذه طبيعة الأنفس البشرية - ومؤكد وقوعها، ثم أن المشرف لا يضع وقتاً محدداً ولا طريقة لعلاج هذه الملاحظة (وهذا ما وصفناه أعلاه بالإحالة إلى مستقبل مجهول زمناً وعلاجاً).

● وعلى ما تقدم تقفز للذهن علامة استفهام كبيرة وملحة تتتبع علة هذا الاحتراز أي لماذا يلجأ المشرف إلى أسلوب الإشراف الاحترازي ؟
وعند مقاربة الإجابة عن هذا التساؤل فإنّا نستدعي بعضاً من المنظورات النفسية والاجتماعية والثقافية في التحليل دون الإشارة إليها رغبة في الابتعاد عن تعقيد التنظيرات وطلباً للاختصار.
إن حقل الإشراف التربوي - وكذلك الإدارة - قد تطبع بطابع من يمتلكون القدر الأعلى من الخبرة والممارسة؛ وهم في الغالب الأقدم تواجداً والأكبر سناً، وهؤلاء يميلون في الغالب إلى أساليب واستراتيجيات (تقليدية نمطية) تصطبغ بالتحوط والحذر.
فيأتي المشرف الجديد ويستبطن تلك الأساليب والاستراتيجيات التقليدية التحوطية ويتمثلها، وهذا التمثل يحدث في أحايين كثيرة من غير وعي منه أو اختيار هذا من جهة أولى.
ومن جهة ثانية فإن الحذر والاحتراز يعتبر سمة بارزة من سمات التنشئة الاجتماعية للإنسان السعودي منذ نعومة أظفاره في جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة (الأسرة ـ المدرسة ـ المسجد ..) ولا نحتاج إلى كبير عناء لتلمس ذاك البعد الاحترازي (التنشيئي) على مستوى الخطاب والممارسة في مؤسسات التنشئة الاجتماعية الرئيسة؛ فقط علينا الإنصات لخطاباتنا الأسرية والوعظية والتربوية ويتبين مدى الحذر الشديد على الناشئة من أغلب الأمور والأشياء.
ومن جهة ثالثة فثمة بعد نفسي خفي يسيطر على كثير من التربويين متمثل في (مفهوم الدور)؛ فدوري كمدير مدرسة أو مشرف يفرض عليّ إبداء بعضاً من الملاحظات وإن لم تكن قائمة.
وبعد المقاربة السالفة فإني أود أن أقطع الطريق على من سيفسر (الإشراف الاحترازي) بالإشراف الوقائي، فالأمر بعيد جداً، حيث يحيل الأول إلى مستقبل مجهول وطريقة مجهولة، ويقدم ملاحظات عامة مشتركة غير محددة، بينما الثاني (الوقائي) يحيل إلى مستقبل معلوم وطريقة محددة وفق بنود معينة ذات معايير محددة، وهذا ما يعني أن الملاحظات واضحة ومحددة، وهذا ما نجده ماثلاً عند الاستعدادات للاختبارات وبدايات الدراسة في الفصلين.

● أخيراً :
هل يمكننا الحديث عن صور الإشراف النوعية المتقدمة كالإشراف الإبداعي وغيره ونحن لا زلنا نلت في الإشراف الاحترازي ؟!
(*) تحليل محتوى تلك التوصيات والمحاضر يشكل مادة جيدة في علم الاجتماع التربوي.

image د. عواض محمد القرشي.
في الإشراف التربوي : الأثر الإشرافي التربوي .. ضعيف.
الإشراف الاحترازي.
قادة الميدان : عنف الدلالة الرمزي.