من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

كالنسيم هم ﴿2341﴾.
العبط ﴿8261﴾.
ارحم روحك ﴿2258﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. حسن محمد الزهراني.
إجمالي القراءات : ﴿4402﴾.
عدد المشــاركات : ﴿4﴾.

إلى معشر الأزواج : معالجة الخلافات وفق المنهج النبوي.
■ في هذه الرسالة سنناقش بعض الخلافات التي كانت تجري بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين زوجاته ونطلع من خلالها على أسلوبه في معالجة المشكلات الزوجية، وتعامله معها، ومن ثم نستفيد من ذلك في حياتنا الزوجية، حتى تكون الأسرة مستقرة، بعيدة عن الاضطراب والخلل.

■ حادثة الإفك مع عائشة رضي الله عنها :
المعاملة الحسنة والمعاشرة بالمعروف في الزمن الطويل الغابر خلق نادر بين الناس، ولكنه في حالة الرضى خلق لا يشق فهمه على كثيرين، إلا أن الخلق الذي يشق فهمه على الأكثرين هو طيب المعاملة وحسن الخلق عندما تتعرض الحياة الزوجية لأخطر ما يمسها من خطر وهو المساس بالوفاء، في هذه الخصلة تتسامى الحضارة الحديثة أيما تسامي فلا نخالها تحلم بمعاملة أطيب ولا أكرم من المعاملة التي أُثرت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عائشة بنت أبي بكر وهي أحظى نسائه لديه وهي قصة الافك (1).

كُلنا يعلم قصة الإفك وأنصح بمن لا يعرف عنها شيئا بقراءة سورة النور والذي يهمنا في هذه القصة نعرض منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الحادثة :
• مفاتحة الرسول لعائشة وجوابها له :
قالت لبث شهرا لا يوحي إليه في شأني، قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال أما بعد يا عائشة فانه قد بلغني عنك كذا وكذا، فان كنت بريئة فسيبرئك الله، وان كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فان العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه، قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص (2) دمعي حتى ما أحس منه قطر، فقلت : لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال : فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به، فان قلت لكم إني بريئة والهه يعلم إني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم إني بريئة لتصدقونني، واني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف (وجأوا على قميصه بدم كذب، قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبرا جميل والله المستعان على ما تصفون) (3) قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي قالت : وأنا والله حينئذ أعلم إني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئن الله بها.

• نزول الوحي ببراءة عائشة :
"قالت : فوالله ما رام (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء (5) عند الوحي، حتى انه ليتحدر منه مثل الجمان (6) من العرق في اليوم الشأت من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكأن أول كلمة تكلم بها إن قال : أبشري يا عائشة، أما الله فقد برأك فقالت : لي أمي قومي إليه فقلت : والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي، قالت : فأنزل الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات براءتي.

• موقف النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة في حادثة الإفك وكيف تعامل معها :
تلك القصة التي عرفت بقصة الإفك، كما روتها كتب السنة هي مسبار صادق يسبر لنا أغوار المروءة والرفق في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته حديث لا رفق ولا مروءة عند الأكثرين، فليس النبي صلى الله عليه وسلم هنا في حالة من حالات الرضى التي تسلس الطباع ولا تستغرب معها المودة وطول الأناة، ولكنه في حالة من تلك الحالات التي تثير الحمية وتثير الحب وتثير النقمة وتثير في النفس البشرية كل ساكنة تدعو إلى طيب المعاملة، فلم يكن في هذه الحالة إلا كرما خالصا بما سلك في أمر نفسه وفي أمر أهله وفي أمر دينه، ولم يدع لحالم من حالمي الحضارة الحديثة مرتقى يتطلع إليه في جميع هذه الغايات.

• منهج النبي في تحقيق القضية :
بعد سمع النبي ذلك الحديث المريب فلم يقبله بغير بينة ولم يرفضه بغير بينة، وكان عليه أن يعود زوجه المريضة أو يجفوها إلى حين، فعادها وبه من الرفق والإنصاف ما يأبى عليه أن يفاتحها في مرضها بما يخامر نفسه الكريمة، وبه من الموجدة والترقب ما أبى عليه أن يقابلها بما كان يقابلها به والنفس صافية كل الصفاء، وظل يسأل عنها سؤال متعب ينتظر أن تشفى وان تأتيه البينة فيشتد كل الشدة أو يرحم كل لا رحمة، ولا يعجله لغط الناس أن يأخذ في هذا الموقف الأليم بما توجيه الحمية وما توجيه المروءة في آن وسأل من ينبغي أن يسأل : عليا وأسامة وهما بمقام والديه، وبريرة الجارية التي تعرف عائشة وتخلص لسيدها كما تخلص لسيدتها، وضرة لعائشة تنافسها وتكاد أن تضارعها في حظوتها لديه زينب بنت جحش التي كانت أسرع من يقول لو علمت شيئا يقال : فاستعاذت بالله وقالت : أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرا (7).
واتصل الحديث بعائشة فاستأذنته في زيارة أهلها، وآن له أن يفاتحها وقد وصل النبأ إلى سمعها، ولم يئن له قبل ذلك وهو كاظم ما في فـؤاده قادر على كتمانه مخافة أن يؤذيها بغير حق وهي تشكو سقامها (8).

• انتظار الوحي :
وغضبت غضب البريء المشكوك فيه، وإنها لبريئة في نظر كل منصف يفهم أن امرأة كعائشة لا تعرض نفسها لهذه الريبة أمام الجيش، وفي وضح النهار، ولغير الضرورة، ومع رجل من المسلمين يتقى ما يتقيه المسلم في هذا المقام من غضب النبي صلى الله عليه وسلم وغضب المسلمين وغضب الله ، فتلك خلة تترفع عنها من هي أقل من عائشة منبتا ومنزلة وخلقا وأنفة، فكيف بها في مكانها المعلوم إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد لها البراءة أمام الخلق عامة وأمام نفسه المحبة، حذرا أن تكون تبرئته إياها عن محبة وضعف لا عن تبين واستيثاق فلما قضى كل حق وانتهى به الاستيثاق إلى الثقة كان قد وفي الكرم والحميـة والإنصاف والرحمة أجمعين (9).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
■ المراجع :
1- عباس محمود العقاد، عبقرية محمد، (نهضة مصر ، مصر ، 1980م) ص : 104.
2- قلص : ارتفع وذهب، أنظر : ابن الأثير، النهاية، المصدر السابق، ج 4، ص 100.
3- سورة يوسف، جزء من الآية : 18.
4- ما رام : ما برح وما فارق مجلسه، يقال : رام يريم إذا برح وزال من مكانه وأكثر ما يستعمل في النفس، أنظر : ابن الأثير، النهاية، ج 2، ص 290.
5- البرجاء : شدة الكرب من ثقل الوحي، أنظر : ابن الأثير، النهاية، ج 1، ص 113.
6- الجمان : هو اللؤلؤ الصغار وقيل : حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ، أنظر : ابن الأثير، النهاية، ج 1، ص 351.
7- عباس محمود العقاد، عبقرية محمد، ص 108.
8- عباس محمود العقاد، عبقرية محمد، ص 108.
9- عباس محمود العقاد، عبقرية محمد، ص 109.