
د. محمد الصفى بن عبدالقادر
عدد المشاركات : ﴿65﴾
التسلسل الزمني : 1437/02/01 (06:01 صباحاً)
عدد القراءات : ﴿2506﴾
تقريظ : الدكتور أحمد بوغربي (شاعر).
◄ قصة : أبو الطيور ـ وفاء لذكرى الشاعر.
كان لا يأبه لشيء سوى الكتابة، في كل مرة أرتاد مقهىّّ الوقت الحرّّ أوّ الوقت المرّ كما كان يسميه. أجده حيث مكانه المفضل: قرب حوض السمك الزجاجي، منكبا يكتب شعرا آو نثرا. تلك كانت عادة ّزهير: القهوة السوداء، والمزيد من السجائر، وأوراق بعضها مسودا والبعض في الانتظار. يكتب، ويكتب، ولا لذة تفوق عنده لذة إلقاء قصائده، مغمض العينين يفعل، يضغط على الحروف، يخيل إليك أنه يحلق في سماء غير مرئية، ينتهي، يفتح عينيه ثم يغمضهما ثانية إيّذانا بسماء أخرى.
ركبت يم الشعر، ما اخترت، ما احترت
فخطف فص، وعنفوان الصولجان
أرغماني
أنا فتى الشعر أسدل جفني
يدنو لي سلسبيلا
أطرده، أهجره، في الحال
يجد لي سبيلا
كان الكل يلقبه بّ الشاعرّّّ حتى أصبح لا يعرف إلا بهذا الاسم، وقد كان شاعرا بخمس دواوين، وقاصا بمجموعتين. ّّّسأخرج من جبة الشعرّّ هكذا كان يردد كلما جرنا الحديث عن شعره ّ، سأخرج من جبة الشعرّّّ كان يواجه بها كل من دعاه إلى البحث عن طريق آخر لتحقيق الذات غير طريق الشعر، فقد كان يقصد بكلامه هذا أن أحلامه كشاب سيحققها بما سيعود عليه من نشر أعماله، ّّسأخرج من جبة الشعرّّ هكذا كان يمني نفسه. في كل مرة أرتاد المقهى أمر به :
_أهلا الشاعر
يصافحني بحرارة ضاغطا على الحروف :ّّ تبا لهم جميعا باعوا الوطنّ!. كان يخصني بهذه التحية، مطلع إحدى قصائده التي لم يتبق منها لدي سوى ما علق بالذاكرة. وحتى عندما كنت أصادفه خارج المقهى يرفع يده من البعيد مجيبا تحيتي وهو يهتف:ّ تبا لهم جميعا باعوا الوطنّ!ّ
أحب زهير لقبا آخر كان قد خص به نفسه ،وفضله أحيانا كثيرة كان لقب : ّّأبو الطيورّ. كان يحب الطيور ويعتبر نفسه واحدا منها.وفاتني أن أعرف منه سر هذا التماهي:
سيدتي، سيدة الفراشات
هو الاحتراق حتما إن قربت مني
هم الطير أحبيهم
فهم أبنائي بالتبني
كان لا يبرح المقهى إلا للضرورة، وعندما يعوزه ثمن كأس القهوة السوداء، كان كأي شاعر، يجوز له ما لا يجوز لغيره، يجلب كأس قهوته من المنزل، يضعه على الطاولة قرب حوض السمك قبالة الشارع، ويأخذ في الكتابة.
كنت أحسه يسابق الزمن، وهو في بداية عقده الثالث، لم ألمس فيه نية البحث عن فرصة من فرص الحياة الشبه المنعدمة، كان لا يأبه لشيء سوى الكتابة، كان الشاعر نموذجا للحلم، يحلم أن يذيع صيته يوما، ويملأ ذكره الآفاق كما حصل للبعض بالرغم من ضعف شاعريتهم سأخرج من جبة الشعر كان يقولها بإصرار وتحد، لكن الموت كان سباقا، فقد ضاقت به الجبة، فجن، فمات.
|| د. محمد الصفى بن عبدالقادر : عضو منهل الثقافة التربوية.
◄ قصة : أبو الطيور ـ وفاء لذكرى الشاعر.
كان لا يأبه لشيء سوى الكتابة، في كل مرة أرتاد مقهىّّ الوقت الحرّّ أوّ الوقت المرّ كما كان يسميه. أجده حيث مكانه المفضل: قرب حوض السمك الزجاجي، منكبا يكتب شعرا آو نثرا. تلك كانت عادة ّزهير: القهوة السوداء، والمزيد من السجائر، وأوراق بعضها مسودا والبعض في الانتظار. يكتب، ويكتب، ولا لذة تفوق عنده لذة إلقاء قصائده، مغمض العينين يفعل، يضغط على الحروف، يخيل إليك أنه يحلق في سماء غير مرئية، ينتهي، يفتح عينيه ثم يغمضهما ثانية إيّذانا بسماء أخرى.
ركبت يم الشعر، ما اخترت، ما احترت
فخطف فص، وعنفوان الصولجان
أرغماني
أنا فتى الشعر أسدل جفني
يدنو لي سلسبيلا
أطرده، أهجره، في الحال
يجد لي سبيلا
كان الكل يلقبه بّ الشاعرّّّ حتى أصبح لا يعرف إلا بهذا الاسم، وقد كان شاعرا بخمس دواوين، وقاصا بمجموعتين. ّّّسأخرج من جبة الشعرّّ هكذا كان يردد كلما جرنا الحديث عن شعره ّ، سأخرج من جبة الشعرّّّ كان يواجه بها كل من دعاه إلى البحث عن طريق آخر لتحقيق الذات غير طريق الشعر، فقد كان يقصد بكلامه هذا أن أحلامه كشاب سيحققها بما سيعود عليه من نشر أعماله، ّّسأخرج من جبة الشعرّّ هكذا كان يمني نفسه. في كل مرة أرتاد المقهى أمر به :
_أهلا الشاعر
يصافحني بحرارة ضاغطا على الحروف :ّّ تبا لهم جميعا باعوا الوطنّ!. كان يخصني بهذه التحية، مطلع إحدى قصائده التي لم يتبق منها لدي سوى ما علق بالذاكرة. وحتى عندما كنت أصادفه خارج المقهى يرفع يده من البعيد مجيبا تحيتي وهو يهتف:ّ تبا لهم جميعا باعوا الوطنّ!ّ
أحب زهير لقبا آخر كان قد خص به نفسه ،وفضله أحيانا كثيرة كان لقب : ّّأبو الطيورّ. كان يحب الطيور ويعتبر نفسه واحدا منها.وفاتني أن أعرف منه سر هذا التماهي:
سيدتي، سيدة الفراشات
هو الاحتراق حتما إن قربت مني
هم الطير أحبيهم
فهم أبنائي بالتبني
كان لا يبرح المقهى إلا للضرورة، وعندما يعوزه ثمن كأس القهوة السوداء، كان كأي شاعر، يجوز له ما لا يجوز لغيره، يجلب كأس قهوته من المنزل، يضعه على الطاولة قرب حوض السمك قبالة الشارع، ويأخذ في الكتابة.
كنت أحسه يسابق الزمن، وهو في بداية عقده الثالث، لم ألمس فيه نية البحث عن فرصة من فرص الحياة الشبه المنعدمة، كان لا يأبه لشيء سوى الكتابة، كان الشاعر نموذجا للحلم، يحلم أن يذيع صيته يوما، ويملأ ذكره الآفاق كما حصل للبعض بالرغم من ضعف شاعريتهم سأخرج من جبة الشعر كان يقولها بإصرار وتحد، لكن الموت كان سباقا، فقد ضاقت به الجبة، فجن، فمات.
|| د. محمد الصفى بن عبدالقادر : عضو منهل الثقافة التربوية.