بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. علي عبده أبو حميدي.
إجمالي القراءات : ﴿3985﴾.
عدد المشــاركات : ﴿36﴾.

احترام العلماء وتوقيرهم.
■ من مبادئ التربية الإسلامية التي حث عليها الدين الإسلامي احترام العلماء وتوقيرهم، العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم المؤتمنون على دعوة السماء بعد الرسل الكرام, يعلّمون الجاهل، ويرشدون الضال، ويقومون المنحرف المعوج، وهم أهل الخشية قال الله تعالى : (إنَّما يخشى الله من عباده العلماء) (فاطر : 28).
وأهل التقوى والإخبات إلى رب البريات, قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (الإسراء : 107-109).
قال الشافعي رحمة الله عليه : أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان، لكن العلماء يُحترمون ويُوقرون، ويُثنى عليهم، ويُدعى لهم، ويُترحم عليهم ويُستغفر لهم، ولكن لا غلو ولا جفاء، فالحق وسط بين الإفراط والتفريط، فلا غلو فيهم بأن يتعصب الإنسان لهم، ولا جفاء بأن يتهاون الإنسان فيهم ولا يعرف لهم أقدارهم أو ينال منهم ويتكلم فيهم بما لا ينبغي، فهذا لا يليق، وإنما التوسط والاعتدال هو المطلوب في الأمور، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء، فلا يغلو في أحد منهم فيقول : إنه هو الذي لا يترك قوله، وهو الذي يعول على قوله، وهو الذي لا يخفى عليه شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان في المسألة حديث ما خفي على الإمام ونحو هذا من عبارات الغلو، ويقابلها عبارات الجفاء من الذي لا يوقر الأئمة ولا يحترمهم، وقد ينال منهم ويتكلم فيهم بما لا ينبغي، فالواجب هو احترامهم وتوقيرهم، والأخذ بوصاياهم، وهي التعويل على الدليل إذا جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
واحترام علماء الإسلام وتوقيرهم دليل على صحة إيمان الأمة وسلامة إسلامها, فالأمة التي لا تقدر علماءها ولا تجعلهم في أسمى وأعلى مكانة؛ هي أمة لديها خلل في تفكيرها, وتراجع في قيمها ومبادئها وأخلاقها.

ولقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة في تقدير العلماء وتوقيرهم ومعرفة حقهم, عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ قَالَ : رَكِبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَأَخَذَ ابْنَ عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ، فَقَالَ لَهُ : لا تَفْعَلْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ : هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا. فَقَالَ زَيْدٌ : أَرِنِي يَدَكَ. فَأَخْرَجَ يَدَهُ، فَقَبَّلَهَا زَيْدٌ وَقَالَ : هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه ابن سعد في الطبقات (2/360) والذهبي في السير (2/437) وابن الجوزي في صفة الصفوة (1/706) وابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم 4/146 والحافظ في الإصابة (4/146) وجود إسنادها الحافظ في الفتح (11/57).
وقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْن بنِ رُسْتُمَ : سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ فَقَالَ : دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ.سير أعلام النبلاء (23/425).