من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عادل عمر بصفر.
إجمالي القراءات : ﴿5802﴾.
عدد المشــاركات : ﴿43﴾.

(الغلو ــ الجفاء) في ليلة النصف من شهر شعبان.
■ حديثنا اليوم عن ليلة انقسم الناس فيها إلى قسمين, فريقٌ غلا, وآخر جفا.
ليلة النصف من شعبان ـ معاشر المؤمنين ـ غلا فيها فريق فجعلوها الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم, وهذا خلاف ما نص عليه ربنا عز وجل في محكم التنزيل إذ يقول جلا وعلا في مطلع سورة الدخان: (حم ۝ والكتاب المبين ۝ إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ۝ فيها يفرق كل أمر حكيم), فبين جلا وعلا أن الكتاب المبين أُنزل في ليلة مباركة, وهذه الليلة المباركة هي التي يفرق فيها كل أمر حكيم, وكلنا يعرف تلك الليلة المباركة من قوله جلا وعلا : (إنا أنزلناه في ليلة القدر ۝ وما أدراك ما ليلة القدر ۝ ليلة القدر خير من ألف شهر) إذاً معاشر المؤمنين من اعتقد ذلك فقد خالف صريح القرآن وغلى أيما غلو.
ومن غلوهم أيضًا معاشر المؤمنين تخصيص نهارها بصيام وليلها بقيام وعبادة, وما ورد في ذلك كما يقول أهل العلم إما ضعيف, وإما موضوع مختلق لا يثبت عن النبي صلوات ربي وسلامه عليه.
ومن غلوهم أيضًا صلاتهم مائةُ ركعة، في كل ركعة يقرؤون (قل هو الله أحد) إحدى عشرة مرة, وزعموا أنها تقضي حوائج الناس, والحديث موضوع كما يقول أهل العلم.
إذاً غلا فريق معاشر المؤمنين وجعلوا فيها من المزايا والقربات والطاعات ما لم يأذن به الله عز وجل، وفريق آخر جفا : جعلها ليلةً عادية كغيرها من الليالي لا مزية فيها. والصواب معاشر المؤمنين أن ليلة النصف من شعبان ثبت في فضلها حديثان صحيحان ثابتان إلى المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه.
• أما الأول : فحديث مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه الذيِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (يَطَّلِعُ اللَّهُ إِلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْهِلُ الْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ).
• وأما الحديث الثاني : حديثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (يَطَّلِعُ اللَّهُ إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ), قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِهِ : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ, وَرَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَالْبَزَّارِ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَحْوِهِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ.

فهذان الحديثان الثابتان معاشر المؤمنين بين فيهما المصطفى أن ليلة النصف من شعبان يَغْفِرُ الله عز وجل للمؤمنين, ويطلع عليهم إلا المشرك أو المشاحن, فمن أراد أن يفوز بهذا الأجر العظيم وهذا الفضل العظيم, فما عليه إلا أن يحقق هذين الشرطين.
لستَ مطالبًا أيها المؤمن لا بقيام ولا صيام فضلاً عن عمرة أو عبادة ونحو ذلك, كلُّ ما أنتَ مطالبٌ به أن تحقق التوحيدَ وأن تنقيَّ قلبك من الشرك وشوائبه وتتعاهد ذلك باستمرار.
وبعض الناس معاشر المؤمنين إذا ذُكر الشرك يشمئز ويعتقدُ أنه متهم, والبعض الآخر معاشر المؤمنين إذا ذكر الشرك عندهم ظن نفسه بمأمن منه, وعنه.
والواقع أيها الأخوة المؤمنون أن أنبياء الله ورسله يخافون على أنفسهم من الوقوع في الشرك أو ألوانه وأنواعه قال تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا وأجنبني وبني أن نعبد الأصنام), وكان من دعائه : (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم).
والشرك معاشر المؤمنين ينبغي على العبد أن يخافَه ويحذرَه, كيف وقد أوحى الله إلى كل نبي وإلى كل رسول حُكمه في هذا الأمر المنكر العظيم : (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) (سورة الزمر : آية 065), فإذا كان الخطاب موجهًا لإمام الأنبياء والمرسلين ولسيد الموحدين صلوات ربي وسلامه عليه, فكيف لا يخاف الشرك من كان دونه من المؤمنين.
واعلموا رحمني الله وإياكم أن الشرك قسمان لا ثالث لهما, شرك في العبادة والقصد, وشرك في الطاعة والاتباع, اعلم هذا يا من تريد أن تفوز بثواب ليلة النصف من شعبان التي يطلع الله عز وجل فيها إلى جميع خلقه فيغَفِرُ لهم إلا لمشرك أو مشاحن، فالنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يخبرنا أن الله تعالى يغفر لجميع خلقه ليلة النصف من شعبان دون سؤالٍ أو طلبٍ منهم، إلا لمشرك أو مشاحن.

■ معاشر المؤمنين :
اتقوا الله عز وجل ولا تفوتوا على أنفسكم فرصة كهذه (يَطَّلِعُ اللَّهُ إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) فنقِ قلبك من الشرك وشوائبه وأما الشحناء وما أدراكم ما الشحناء ؟ شرها عظيم. فقد روى مسلمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ــ صلى الله عليه وسلم ــ قَالَ: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ) رواه مسلم.

■ معاشر المؤمنين :
فضلُ الله عز وجل واسع, فضل الله عظيم, ومن فضلهِ ــ سبحانه وتعالى ــ هذه الليلةَ المباركة لستَ مطالبًا فيها لا بصيام ولا قيام ولا مزيد عبادة, فقط تفقد قلبك وراجع توحيدك, ونق قلبك نحو إخوانك لا تبيتين الليلة وبينك وبين مسلم خصومة أو شحناء عسى الله ــ عز وجل ــ أن يغفر لنا ذنوبنا جميعًا.

■ معاشر المؤمنين :
روى البخاري في صحيحه عَنْ أمِّ المؤمنينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ)، وفي رواية الترمذي قَالَتْ: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلًا بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ).
وعنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؟ قَالَ : ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ. رواه النسائي، فبين صلوات ربي وسلامه عليه سبب إكثاره من الصيام في هذا الشهر المبارك.
أولُ سبب أنه شهر يغفُل الناس عنه، والأوقات المباركة التي يغفُل الناس فيها عن العبادة يزداد فيها تشمير المؤمن وحرصه على الطاعة حين غفلة الناس لماذا يغفل الناس عن شعبان؛ لأنه بين رجب وبين رمضان, أما رجب فهو أول الأشهر الحرم, وكانت العرب تعظم رجبًا, وسمي رجب من الترجيب وهو التعظيم, ورمضان شهر الخير والقرآن, فغفل الناس عن شعبان لوقوعه بين هذين الشهرين.
ثم إنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله, الرفع الحولي, فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرفع عملُه وهو صائم, وتقول أقرب الناس إليه وأحبها إلى قلبه أمُّنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها في المتفق على صحته: (ولم أره أكثر صيامًا منه في شعبان) لم يكن يصوم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأشهر ما يصوم من شعبان يستقبل به شهر الصيام والعبادة.
ولطيفة من لطائف أهل العلم معاشر المؤمنين يقولون : إن الصيام قبل رمضان صيام شعبان والإكثار منه والصيام بعد رمضان كصيام الست من شوال بمثابة القبلية والبعدية في الفروض, فكما أن القبلية والبعدية أفضل من مطلق النافلة, فكذلك الصيام قبل رمضان وبعده أفضل من مطلق الصيام.
فاحرصوا رحمني الله وإياكم على الصيام في هذا الشهر المبارك, وحثوا أبناءكم وأهليكم ودربوهم وعودوهم على هذه الطاعة.
أما المنهيُ عنه في صيام شعبان : أن لا يصوم الإنسان بعد منتصف شعبان بنية استقبال رمضان وحتى يحتاط لشهر رمضان بزعمه فإن هذا من الغلو في الدين قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ : (إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا) رواه أبو داود.
ولا يدخل في هذا أن يصوم الإنسان ما كان معتاداً له من صيام الاثنين والخميس مثلاً أو ثلاثة أيام من كل شهر أو القضاء أو النذر.
ويُلحقُ بهذا أيضاً، حرمة صيام يوم الشك فعَنْ عَمَّارَ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه قَالَ : (مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ رضي الله عنه) رواه الترمذي، ويوم الشك هو اليوم الذي يُشك فيه هل هو من رمضان أو من شعبان وهو يوم الثلاثين، فيحرم صومه بنية الاحتياط قال : النبي صلى الله عليه وسلم : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ــ صلى الله عليه وسلم ــ : (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ رواه مسلم. فهذا في الرجل الذي له عادة صيامٍ ويصومه بنية التطوع لا بنية الفرض، وأنه من رمضان أو بنية الاحتياط، فالنية هي الفيصل هنا، (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).
واعلموا رحمكم الله، أن من كان من عادته قيام الليل فلا يترك قيام الليل في تلك الليلة، ومن كان من عادته صيام النوافل فوافق ذلك ليلة النصف من شعبان فليصم ولا يترك الصيام، وكذلك من كان من عادته أن يصوم في شعبان فليصمه اقتداءً برسول اللهِ صلى الله عليه وسلم.

■ خلاصة القول :
ما هو الواجب على المسلم في هذا الشهر وفي هذه الليلة ؟ الواجب عليه أن يصالح أقاربه وجيرانه إن كان بينه وبينهم شحناء وخصام لأمر دنيوي أو لسوء تفاهم شخصي، ويرجو بذلك أن يغفر له في هذه الليلة، أسال الله أن يغفر لنا ذنوبنا ويرحمنا إنه هو الغفور الرحيم.