من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عايش عطية البشري.
إجمالي القراءات : ﴿5897﴾.
عدد المشــاركات : ﴿9﴾.

أخلاق العلماء والمربين المسلمين.
■ إن من أهم أهداف ومقاصد الدين الحنيف : تقويم النفس البشرية، والحد من أهوائها واستعلائها، وقد تعاضدت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على الحث بالتحلي بالتواضع وذمّ الكبر.
وقد التزم العلماء بذلك الهدي الرباني والخُلق النبوي، ونفَّذوه تنفيذاً عملياً، فكانوا متواضعين لله تعالى وللناس.
فالعالِم المسلم يعرف الله حق المعرفة، ويسارع لأداء عبادته، واتّباع شريعته، والخشوع بين يديه، ولذلك يبقى العالِم الرباني في خضوع وتواضع لله تعالى في كلِّ حركاته وسكناته وتصرّفاته.
رُوِي عن السلف : (حقٌّ على العالِم أن يتواضع لله في سرّه وعلانيته، ويحترس من نفسه، ويقف على ما أشكل عليه)، ويؤكد الآجري على هذا الجانب فيقول : (ينبغي للعالِم أن يضع الرماد على رأسه تواضعاً لله).
وتأكيداً لشأن ذلك، كان العلماء يُـبيّنون أهمية ذلك في أقوالهم، ويظهر جليّاً في أفعالهم؛ لأنّهم مدارس في الأخلاق والآداب قبل أن يكونوا مدارس في العلوم والفنون. قال الشافعي مبيّناً أنّ العبرة بالتطبيق والعمل : (ليس العلم ما حُفِظ، العلمُ ما نفعَ، ومن ذلك دوام السكينة والوقار والخشوع والتواضع لله والخضوع).

■ ومن أبرز ما تحلَّى به العلماء الأفاضل : التواضع لله، ويظهر ذلك في الآتي :
أ - هيئة الجلوس عند طلابهم، ويكون ذلك بجلوس العالِم لطلابه جِلْسةً فيها التواضع لله والخضوع له، وطلب العون والتوفيق من الله تعالى، ويؤكد على ذلك الآجري بقوله : (فينبغي له أن يستعمل من الأخلاق الشريفة ما يدلّ على فضله وصدقه، وهو أنْ يتواضعَ في نفسه إذا جلسَ في مجلسه، ولا يتعاظم في نفسه).
ب - البسملة والحمد والثناء وذكر الله تعالى، فقد كان العالِم يبدأ درسه بالبسملة وحمد الله، ويركّز على هذا الجانبِ البغداديُّ بقوله : (ولْيكن أول ما يُفتتح به الكلام بعد التسمية : الحمد لله).
وهذا إقرار بوحدانية الله وألوهيته، وتدريب لطلابه على أهمية ذلك، وتوطيد للعلاقة بين العبد وخالقه، وتوجيه مثمر للطلاب لاقتفاء أثرهم، والعمل بآدابهم فيما بعد.
وإذا اشتغل العالِم بدرسه وبدأ في عرض فنونه ومعارفه لطلابه، فإنّه لا يقطع الصلة بربّه، بل يكونُ على صِلةٍ وثيقةٍ وارتباطٍ دائم معه في سائرِ أحواله، فلا ينسى ذِكْره، ولا يغفل عنه، قال قرّة : (كان من عادة الضحاك بن مزاحم إذا سكت أن يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله) ومن أفضل العبادات التي كان يحرص العلماء على العمل بها والإكثار منها؛ قراءة القرآن الكريم؛ لأنّه هدىً ونور، يهدي اللهُ به مَن يشاء، فهو حبلُ الله المتين، ونوره المبين، عن أبي خالدٍ قال : (صحبتُ سفيان (الثوري) في طريق مكة، فكان يقرأ في المصحف كلَّ يوم، فإذا لم يقرأ فيه، فتحهُ فنظر فيه وأطبقه) ارتباط وخضوعٌ للهِ دائم في سائر أحوالِهم وفي سَفَرهم وإقامتهم، في ليلهِم ونهارِهم.
ج - اتّهام النفس بالنقص والتقصير، فلا أحد يدرك الكمال، والإنسان مجبولٌ على النقص والخطأ والتقصير والنسيان، ومن هذا المنطلق كان شعار العلماء - رحمهم الله تعالى - : اتّهام النفس، تواضعاً لله، حتى تسمو، وسُمُوُّها يكون بالخضوع والتواضع لله تعالى، والقيام بأوامره واجتناب نواهيه، والبُعد عن الكِبر ودواعيه، والتحلِّي بالفضائل، وعلى رأسها خُلق التواضع لله ولعباده، عن عمران بن عبدالله قال : (أرى نفس سعيد بن المسيِّب كانت أهْوَن عليه في الله من نفس ذباب) هذا هو المقياس الذي سارَ عليه أولئك العلماء الأعلام، وهو وضع النفس دائماً في موضع النقد والتقصير من أجلِ السُّمُوّ والرفعة في الدارين.
ويتَّضِح لنا هذا المفهوم أكثر عندما نسمع قول الإمام عبدالله بن المبارك عندما سئل عن مسألة وهو في المسجد الحرام، فجعل يقول : (مثلي يفتي في المسجد الحرام ؟ أو أنا أهلٌ أن أفتي في المسجد الحرام) هذه بعض أخلاق العلماء والمربين المسلمين. فما أحرى كل مربي مسلم أن يأخذ بها، ويعمل بها في حياته ليفوز في الدنيا والآخرة، وبالله التوفيق.