من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عبدالله أحمد هادي.
إجمالي القراءات : ﴿7702﴾.
عدد المشــاركات : ﴿97﴾.

ثقافة الحوار : تمهيد «1».
■ تمهيد :
يتسم العصر والمجتمع الذي نعيش فيه بأنه عصر ومجتمع المعرفة والثورة العلمية بتطبيقاتها الثقافية والتقنية المختلفة، التي تتطلب من الإنسان ـ الذي يعيش في هذا العصر ـ أن يفكر فيما يقول، وينتقي الكلمات والعبارات والأفكار، وأن يقدمها بصورة مناسبة، ومعقولة. كما يُتطلب منه أن يفكر ويخطط لما سوف يقوله، حتى يتسنى له الاتصال والتواصل مع الآخرين، وذلك باعتبار أن هذا الإنسان كائناً اجتماعياً لا يستطيع العيش بمعزل عن الناس، ولا يستطيع العيش دون حالة الاتصال والتواصل المستمرة من خلال عمليات حوارية مختلفة.
والحوار يُعد من أهم أسس الحياة الاجتماعية وضرورة من ضروراتها، فهو وسيلة الإنسان للتعبير عن حاجاته، ورغباته، وميوله، وأحاسيسه، ومواقفه ومشكلاته وطريقه إلى تصريف كل شؤون حياته، كما أن الحوار وسيلة الإنسان إلى تنمية أفكاره وتجاربه، وتهيئتها للعطاء والإبداع، والمشاركة في تحقيق حياة متحضرة، إذ من خلاله يتم التواصل مع الآخرين والتفاعل معهم.
والفرد يستطيع أن يتواصل مع من حوله حوارياً مستخدماً فنون اللغة والحوار، سواء كان ذلك بالاستماع أو الحديث أو القراءة والكتابة، أي : أن الفرد يتواصل ويتحاور مع من حوله إما مرسلاً فيتكلم أو يكتب أو مستقبلاً فيسمع أو يقرأ.
■ من هنا فالحوار يُعد ظاهرة صحية، وركيزة فكرية، ووسيلة يستطيع الفرد من خلالها أن يُوصل ما يريده من أفكار إلى الآخرين بالحجة والبرهان، كما أنه يعتبر الوسيلة الأسلم إلى الدعوة والتواصل مع الآخرين، التي دعا إليها الإسلام من خلال الآيات الواردة في القرآن الكريم ومنها : (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل : 125) وقال تعالى : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت : 46).
■ وقد وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من الصور الحوارية والتي يُمكن أن نذكر بعضاً منها، مثل قول الله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة : 1) وقال تعالى : (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) (الكهف : 34) وقال تعالى : (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) (الكهف : 37).
كما أن السنة النبوية تزهر بالعديد من الحوارات التي كان بها الرسول صلى الله عليه وسلم طرفاً بالحوار، فقد كان عليه السلام يحاور المشركين والمنافقين والصحابة وزوجاته، حتى الأطفال كان لهم نصيب من حواراته صلى الله عليه وسلم، وهذا تأصيل نبوي مطهر لخيرية الحوار منهجاً وسلوكاً.

وباعتبار الحوار أحد وسائل نقل الأفكار وتبادل الآراء للوصول إلى أهداف محددة ومقصودة فهو عملية تتضمن المحادثة بين أفراد أو مجموعات على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم من أجل تبادل المعرفة، ويتوقف نجاحه على مدى التزام أطرافه بالفنيات والمهارات والآداب في تعبيرهم عن أفكارهم وآرائهم والتي تمثل مدى شيوع ثقافة الحوار لديهم، لذا أصبح من الأهمية أن يتم نشر وتنمية ثقافة الحوار لدى كافة أفراد المجتمع من خلال المؤسسات الاجتماعية والتربوية، وأمسى من الضروري أن يتم من خلال المؤسسات التعليمية نشر وتنمية وتطوير ثقافة الحوار للعاملين بتلك المؤسسات.
وفي المملكة العربية السعودية إن المتأمل لمجتمعنا التعليمي يجد أنه بحاجة إلى إعلام تربوي يُفعل بالصورة التي تحقق لأفراد المجتمع الفهم الواعي لأهمية كونه أحد أهم العناصر التي تبني الأجيال القادمة, حيث يترسخ من خلاله الفكر الديني والثقافي والأخلاقي والاجتماعي لدى الطلاب والطالبات، وبالتالي نستطيع أن نصل بهم إلى أعلى مستويات الرقي الفكري بكافة أنواعه.
من هنا كان لابد للقائمين على التربية والتعليم أن ينظروا إليه بصورة جادة حتى يتسنى لهم تحقيق الأهداف المنشودة من سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية التي منها ترسيخ الإيمان بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبياً، واحترام الحقوق العامة التي كفلها الإسلام, كما أن تزويد الأفراد بالقدر المناسب من الخبرات يجعلهم أعضاء نافعين في المجتمع, إضافة إلى تنمية المهارات اللغوية حتى تمكنهم من الاتصال الفعال بالحضارات والثقافات الأخرى.
إن إعداد مجتمع مثقف يستطيع إدارة دفة الحوار في مختلف القضايا بأسلوب تربوي راقي يمثل حضارتنا كأمة مسلمة, وبما أننا اليوم نعيش في عالم يدرك مدى أهمية الكلمة في حياة الأفراد ومدى تأثيرها على المجتمع, كان من الضروري أن يتوقف التربويون أمام دور الإعلام في المؤسسات التربوية التعليمية, وقد كان مشروع ترسيخ ثقافة الحوار في المؤسسات التعليمية من أبرز المشاريع الإعلامية التي أقرتها المؤسسات التعليمية حين دعا إليها خادم الحرمين الشريفين مذ كان ولياً للعهد، وقام بإنشاء مركز الحوار الوطني, حتى يتمكن جميع أفراد المجتمع السعودي من أن يعبروا عن مكنوناتهم بأسلوب حضاري راقي.
ونحن إذ نقول : إن مشروع ثقافة الحوار هو أحد المشاريع الإعلامية ذلك لأن أهم عناصر الإعلام التربوي تكمن في الأسلوب الجيد لإدارة دفة الحوار مع الآخرين في كل المواضيع والقضايا, والتواصل معهم بصورة هادفة، سواء كان ذلك الحوار عن طريق وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أو المرئية. ومن هنا انبثقت العلاقة بين الحوار كقاعدة عريضة وبين وسائل الإعلام التي تمكننا من التعبير بصورة إعلامية تربوية سليمة. وقد صدر العديد من النظم التي تطالب بتفعيل ثقافة الحوار في مختلف الميادين بصفة عامة والمؤسسات التربوية بصفة خاصة عبر وسائل الإعلام التربوي.

■ وهنا يطرح السؤال نفسه. لماذا لم يفعل الحوار في المؤسسات التربوية التعليمية بالصورة التي نؤملها ؟
وحين نحاول الإجابة على هذا السؤال تتفطر قلوبنا ألماً لهذه الإجابة نظراً لعدة أسباب، منها أن طبيعة أفراد المجتمع السعودي تتسم بصفة الخجل وعدم القدرة على مواجهة الآخرين والسكوت, وعدم تطبيق منهج الحوار كقاعدة شرعية تطبيقية في الحياة، إضافة إلى تجاهل الأسرة لأسلوب الحوار كأحد الأساليب المتبعة في تربية الأبناء جعلهم يفتقدون مهارة التواصل مع الآخرين عن طريق حوار بناء وهادف, كما أن بعض المؤسسات التعليمية ليس لديها الإلمام الكافي بأهداف الحوار وأهميته مما جعلها تخفق في تفعيله بالصورة المطلوبة, وأنها لا تزل تنظر إلى تعليم الطلاب بالصورة التقليدية المعتمدة على التلقين دون الاهتمام بضرورة تفعيل وتطوير قنوات الحوار وتبادل الآراء كونها الطريقة الأمثل في التعليم. كل هذه العوامل أدت إلى عدم إلمام أبناؤنا وبناتنا بماهية الحوار وآليته، ما جعل الأثر الرجعي في الميدان ضعيفاً لا يرتقي إلى المستوى والهدف المراد تحقيقه بالصورة التي نتمناها.
لذلك وإيماناً بأهمية الممارسة والتطبيق جاء هذا البرنامج التدريبي، والذي تم الحرص عند صياغة أهدافه وبناء مناشطه التدريبية أن يكون التركيز منصباً على نشر وتنمية وتطوير وصقل وإكساب المتدربين (المعلمين) الخبرات والمهارات من أجل التعديل والتطوير للعملية الحوارية التي يمارسونها، مؤملين أن يلبي هذا البرنامج حاجة العاملين في المؤسسات التعليمية.
وقد تم توزيع البرنامج التدريبي إلى ثلاث وحدات تدريبية تنفذ في ثلاث جلسات تدريبية، على أن تكون كل وحدة جلسة تدريبية، ويكون العدد الإجمالي للساعات التدريبية (6) ست ساعات. وتتضمن صفحة المقدمة معلومات البرنامج الأساسية، وعنوان موضوعاته وزمنها، وبيان بأهدافه، ويحتوي كل نشاط تدريبي على رقمه، وورقة خاصة لتنفيذ النشاط بهدف أن تكون الأنشطة معروضة بشكل منطقي يتناسب مع خبرات المتدرب ومحتويات البرنامج التدريبي. أما عن الأسس المنهجية التي بني عليها البرنامج التدريبي، فهي منبثقة من أسس علمية من أحدث معطيات ثقافة الحوار، وأسس نفسية وتربوية واجتماعية وثقافية تخدم العملية الحوارية.