من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

النادرون ﴿3288﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. محمد عبدالله الشدوي.
إجمالي القراءات : ﴿3367﴾.
عدد المشــاركات : ﴿35﴾.

مقامات عصرية «2».
■ تعارك الأضداد.
ماذا أسمع ؟ ماذا أرى ؟
خرير جدول صغير، دندنة غادة بصوت رخيم تبني من الطين بيوتاً صغيرة. تبنيها تارة وتنقضها أخرى، وما تلبث أن تعتصر قبضة من الطين، وترمي بها على ما بنت وهي تردد :
رب يومٍ بكيت فيه فلما • • • صرت في غيره بكيت عليه

باغتُّها قائلاً : ولماذا بكيتِ في ذلك اليوم ؟! ولِمَ تبكي عليه اليوم ؟!
ردّت قائلةً : بكيت عندما أخذ قبضة من الطين ورمى بها بيتي المعمور فتحطّم وأبكي على ذلك اليوم لأنني الآن لم أجد من يشاركني لحظاتي حتّى ولو بالنقيض، عندها هدمت ما بنيته بيدي؛ فرأيت في تحطيمه لبيتي الصغير وله المشتاق ورأيت في تحطيمي لما بنيت لوعة المحترق.
قالتها وقد انسكبت الدمعة الرقراقة كحبة لؤلؤة مشرقة على وجنتها الوردية وقد عضّت أنملة سبابة يدها اليمنى ببرد أسنانها، وسبحت في جو الذكريات القديمة وطارت في آفاقه بلا أجنحة، فأرقت لحالها، وانتابني شعور الخوف من تعارك أضداد الحياة الغرّارة، داخل جوانح النفس الأمارة، فأشرعت خيالي في تلك الأضداد وهي تتعارك كتعارك المجرمين ورميهم الاتهامات على بعضهم بعض وهم مسجونون وراء القضبان الحديدية، عندها أيقنت أن للحياة الدنيا وجهين وجه مشرق لا يراه إلا المتفائلون، ووجه معتم لا يراه إلا المتشائمون، وقد يرى الوجهين من تعترك داخل نفسه أضداد الحياة الفانية، حيث تتوارى له بين الساعة والثانية، وتظل تزرع في النفس الذكريات الحلوة والمرة، والمسكين يندب حظه المرة تلو المرة، وما إن أفقت من غفوة الحال، ورجعت من سفر الخيال حتى قمت إلى الغادة الحزينة، وأخذت بيدها، ومسحت على رأسها، ورجوتها بأن تكفكف دمعها، وترفق بحالها، فقامت كالمغشي عليه وقالت : أسألك بالله ما تبرح هذا المكان حتى تقول في حالنا هذا شيئًا يكون إرثًا لا يبلى لمن هم بعدنا ممن هم على شاكلتنا فأنشدت قائلاً :
بكينا على الماضي طويلاً وليتنا • • • إذا ما بكينا رُدَّ بعضُ الذي مضى
ولكننا نبكيـه مثل الذي بكى • • • على زلّة الماضي وعينـاه تُغمضا

image مقامات عصرية «1».
image مقامات عصرية «2».