من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

فوائد لغوية ﴿22214﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. محمد عبدالله الشدوي.
إجمالي القراءات : ﴿19907﴾.
عدد المشــاركات : ﴿34﴾.

علم اللغة المقارن.
موضوع علم اللغة المقارن هو : دراسة الظواهر الصوتية والصرفية والتركيبية والمعجمية في اللغات التي تنتمي إلى أسرة لغوية واحدة، وبيان العلاقات التاريخية بين اللغات التي تعود إلى أسرة لغوية واحدة.

● ويمكن إجمال أهدافه في :
أ ـ الرؤية التاريخية : بغرض التوصل إلى اللغة الأقدم تاريخيا واللغة الأحدث.
ب ــ البحث عن القوانين التي تفسر الظواهر اللغوية : مثل ما نجد في قانون Jacob Grimm الذي أجرى العديد من البحوث التطبيقية الصوتية قارن فيها بين بعض اللغات.
ومن بين ما توصل إليه أن هناك تبادلا بين اللغات فيما يتعلق بحرفي f و p (مثلا الكلمة اللاتينية patsr) (أب) تحول فيها حرف p إلى f في الإنجليزية (father) بينما ظل كما هو في الفرنسية (père) .. إلى غير ذلك من القوانين التي تنسب إليه.
ج ــ محاولة التصنيف والتبويب للغات : مثلما يفعل علماء النبات للنباتات المتنوعة.
و إذا كان اكتشاف السنسكريتية (لغة الهند القديمة) من طرف وليام جونز السبب الأساس لظهور هذا الفرع من علوم اللغة عند الأوربيين، حيث وجَّه الأنظار إلى الدراسة المقارنة على أسس علمية، ومن ثمَّ كانت نقطة تحول في الدراسة اللغوية في أوربا، فإن علم اللغة المقارن وُجد عند العرب في فترة مبكرة جداً.

إذًا : موضوع علم اللغة المقارن دراسة الظواهر الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية في اللغات المنتمية إلى أسرة لغوية واحدة أو فرع من أفرع الأسرة اللغوية الواحدة ولذا يقوم المنهج المقارن في علم اللغة على أساس تصنيف اللغات إلى أسرات، ويقسم اللغويون منذ القرن التاسع عشر اللغات المختلفة إلى مجموعات أو أسرات. فهناك أسرة اللغات الهندية الأوربية التي تضم أكثر لغات المنطقة الممتدة من الهند إلى أوربا، وتضم بذلك عددًا كبيرًا من اللغات التي عرفتها وتعرفها الهند وإيران والقارة الأوربية. وعرف العلماء الأوربيون في القرن التاسع عشر أيضا أن العربية تنتمي إلى أسرة اللغات السامية التي تضم أيضا اللغات العبرية والآرامية والأكادية والحبشية، وقد تمكن العلماء من تقسيم اللغات المختلفة إلى أسرات أو فصائل بمقارنة هذه اللغات واكتشاف أوجه التشابه بينها من الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية. ووجود جوانب شبه أساسية بين عدد من اللغات معناه أنها انحدرت من أصل واحد مشترك أي من اللغة الأولى التي خرجت عنها هذه اللغات على مر التاريخ. وجد العلماء ظواهر مشتركة في اللغات المنتشرة على مدى القرون بين إيران والهند وأوربا. فعدوا هذه اللغات أسرة لغوية واحدة خرجت لغاتها عن لغة قديمة مفترضة أطلق عليها العلماء اسم اللغة الهندية الأوربية Indoeuropean. ووجد العلماء اللغات العربية والعبرية والفينيقية والآكادية والحبشية تحمل بعض الخصائص الأساسية المشتركة فاستنتج العلماء أنها لغات تشكل أسرة لغوية واحدة وأنها انحدرت من أصل واحد أطلقوا عليه : اللغة السامية الأولى Proto-semitic. ومقارنة اللغات المختلفة المنتمية إلى أسرة لغوية واحدة موضوع البحث في علم اللغة المقارن. فعلم اللغات السامية المقارن يقارن اللغات الآكادية والأوجريتية والعبرية والفينيقية والآرامية والعربية الجنوبية والعبرية الشمالية والحبشية، لأن هذه اللغات تكون أسرة لغوية واحدة. وعلم اللغات الهندية الأوربية المقارن يبحث اللغات المختلفة التي تدخل في إطار هذه الأسرة اللغوية. وتضم أسرة اللغات الهندية الأوربية عددًا من الفروع اللغوية أهمها الفرع الجرماني والفرع الروماني والفرع السلافي والفرع الإيراني والفرع الهندي. وقد أدت كثرة لغات هذه الأسرة إلى اهتمام بعض العلماء بالمقارنات اللغوية في إطار فرع واحد من أفرعها الكثيرة. فعلم اللغات الجرمانية المقارن يقوم ببحث اللغات: الألمانية والإنجليزية والنوردية القديمة والدانماركية وغير ذلك من اللغات واللهجات التي تدخل في هذا الفرع، وعلم اللغات الرومانية المقارن يبحث: اللغة اللاتينية واللغات واللهجات التي خرجت عنها ويطلق عليها اللغات واللهجات الرومانية وتضم اللغات الرومانية الحديثة : الفرنسية والإسبانية والإيطالية ولغة جمهورية رومانيا، إلى جانب عدد كبير من اللهجات. ومقارنة هذه اللغات باللغة اللاتينية وباللاتينية الشعبية هو مجال البحث في علم اللغات الرومانية المقارن، فبيان العلاقات التاريخية بين اللغات التي تكون فرعًا لغويًّا واحدًا أو أسرة لغوية واحدة هو مجال البحث في علم اللغة المقارن.
يقوم المنهج المقارن على المقارنة بين لغتين أو أكثر بشرط انتمـاء هاتـين اللغـتين أو تلك اللغات إلى أسرة لغوية واحدة، لمعرفـة أوجه التشابه والاختلاف، وتحديد صلات القرابة بين هذه اللغات موضع المقارنة.

● الهدف من المنهج المقارن :
يهدف المنهج المقارن إلى تصنيف اللغات إلى أُسر وفروع لغويـة، ويقوم هذا التصنيف على أوجه التشابه في المستويات اللغوية الصوتية، والصرفية، والتركيبية، والدلالية بين اللغات موضع التصنيف.
كما تهدف الدراسـة المقارنـة إلى التوصـل إلى اللغـة الأم Language-Proto لكل أسرة لغوية، وهى لغة من صنع الباحثين ولا وجود لها في الواقع، كما تـهدف إلى تأصيل المواد اللغويـة في المعاجم، على نحو ما أنجزه الأوربيون، مثل معجم فالد بوركونى Walde Porkony لأسرة اللغات الهـندوأوروبية، وهو معجم بالألمانية، ومعجم المترادفات في اللغات الهندوأوروبية، الذى صـنفه بك Buck طبقًا للمعاني.
كانت المقارنة تجري بين اللغات بطريقة تاريخية، مثلما كان الحال في القرن التاسع عشر الذي ازدهرت فيه الدراسات المقارنة، فكشفت عن علاقات القرابة بين عدد منها، مثل : السنسكريتية، واليونانية القديمة، واللاتينية، والسلافية، والقوطية، التي قيل إنها جميعا اشتقت من لغة واحدة مجهولة، وقد أطلق على هذه اللغات مجتمعة اسم "اللغات الهندو ــ أوربية"، وهو تعبير ظهر في الدراسات اللغوية نحو عام 1814م، تمييزا لتلك الأسرة عن مجموعة ثانية من اللغات الأخرى كاللغات الهندو ــ جرمانية، وهو تعبير رافق التعبير السابق، وظهر في نطاق التداول اللغوي نحو العام 1823م، ليفرق بين هذه اللغات، ولغات مثل : العربية والسريانية والحبشية والعبرية، وأتضح أنها تنتمي إلى أسرة لغوية أخرى هي السامية، إن المقارنة بين اللغات لا تعني بالضرورة اعتماد المنهج التاريخي، بل يمكن أن تجري على سنن المنهج الوصفي، ومقارنة لغة بأخـرى شيء لا يمكن تجنبه، فحتى عامة الناس يقومون بذلك دون أن يقصدوا المقارنة، بيد أن المتعلم الذي يحاول اكتساب لغة غير لغته الأم دائم المقابلة بين الصيغ التي يتعرف عليها في اللغة الجديدة والصيغ البديلة أو النظيرة في لغته.

● العلاقة بين المنهج التاريخي والمقارن والفرق بينهما :
ينظر إلى علم اللغة التاريخي من بعض النواحي على أنه دراسة مقارنة، حيث يعتمد المنهج المقارن على أسس المنهج التاريخي، ويختلف عنه في أن الدرس المقارن يهتم فيه الباحث بمقارنة لغتين أو أكثر من ناحية أو أكثر، ويعتمد علم اللغة المقارن على المقارنة لإيضاح العلاقات التاريخية بين لغات معينة وحصر أوجه التشابه بين اللغات المختلفة دون أي اعتبار للعامل التاريخي، ومن أبرز نتائج هذا المنهج أنه حصر اللغات الإنسانية المكتوبة، في تسع عائلات مصنفة حسب تشابه كل عائلة في الملامح العامة سواء أكانت صوتية أو صرفية أو نحوية أو دلالية.
ويبدو أن المنهج المقارن وثيق الصلة بالمنهج التاريخيّ, فكلاهما ينظر في ملامح التطوّر التي تعتري الظاهرة اللغويّة, وكلاهما يستعمل الأدوات البحثيّة نفسها كالنقوش والنصوص المكتوبة والمنطوقة, بيد أنّ ما يميّز المنهج المقارن عن المنهج التاريخيّ أنّه يدرس الظاهرة اللغويّة في اللغات التي تنتمي إلى أرومة واحدة, كأن ندرس أسلوب الشرط في اللغات الساميّة, أو ندرس بنية الجملة الاسمية أو الفعليّة في اللغات الحامية أو الهنديّة الأوروبيّة، على حين يقتصر المنهج التاريخيّ في دراسته على لغة واحدة من لغات المجموعة الواحدة, كأن يدرس تطوّر أسلوب الشرط في اللغة العربيّة.
إنّ هدف المنهج المقارن تأصيليّ، يرصد نقاط الالتقاء والتقاطع بين اللغات التي تنتمي إلى أسرة واحدة, في سبيل تصنيف اللغات في أسر لغويّة, وملاحظة عمليّة التأثير والتأثّر في الأسرة الواحدة, فما تشابه منها في بُناه الصرفيّة وتراكيبه النحويّة واطّرد تبادلُ قوانينه الصوتيّة, عُدّ من أسرة لغوية واحدة, وإلا فهو خارج هذه الأسرة.