بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : أحمد عبدالرحمن الحرنده.
إجمالي القراءات : ﴿12621﴾.
عدد المشــاركات : ﴿11﴾.

فن الزخرفة.
■ تُعرّف الزخرفة بأنها الزينة، وأصلُ الزخرف الذهب، ثم استعمل في كل ما تزين به. قال سبحانه وتعالى في سورة الزخرف : [وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)].

■ الزخرفة لغة :
مفعول الزُّخرُف وهو الذهب، أو الزينة وكمال حسن الشيء (لسان العرب).

■ واصطلاحا :
إضفاء الجماليات على الأشياء باستعمال الأشكال الهندسية والنباتية دون إدخال صور الكائنات الحية فيها.
ومفهوم الوحدة الزخرفية هو التحرير واستنباط الوحدة، أي التكرار والتمائل (التقابل والتعاكس) التكبير والتصغير التشعيب.
لقد كان العرب والمسلمين مولعين بالتصاميم الزخرفية التي تظهر فيها الأجزاء الغامقة والفاتحة في الزخرفة المتماثلة والمتناظرة، ولقد تعددت الزخارف الهندسية والنباتية في العمارة الإسلامية بأشكال وأنماط وألوان متعددة مستمدة من الموروث الحرفي الذي تتميز به الأقطار المختلفة من العالم الإسلامي، فقد تشكل من الحجر كما في مصر، أو من "الطابوق" كما في العراق، أو من الخزف كما في إيران.
وتطبق الزخارف على الأرضيات أو الحوائط أو الأسقف والقباب، وعلى الأقمشة والسجاد والأعمال الخشبية والحديدية والنحاسية والزجاج المعشق بالنحاس والمعادن لتزيينها، وإضفاء مسحة من الجمال عليها. وقد أدخلت الزخرفة على العمارة الإسلامية في مراحل ما بعد صدر الإسلام عندما انتشر على ربوع الأرض شرقا وغربا، وقد تأثرت الزخارف بمعطيات الحضارات السابقة، فأخذت منها ما لا يتعارض مع العقيدة الإسلامية الغراء ، ولفظت ما يتعارض معها. فالإسلام يدعو إلى إضفاء الجمال على الأشياء وتزيينها، ولكن دون إسراف أو تقتير.
قال تعالى (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعبادة والطيبات من الرزق قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذالك نفصل الآيات لقوم يعلمون) الأعراف أية 32. فلإسراف في الزينة منهي عنه خاصة في المساجد حتى لا يشغل المصلين في صلاتهم وينطبق ذالك على المسكن والملبس والأثاث وغيرها من مستلزمات الحياة.
إن الزخرفة عالم واسع من التأملات الهادفة وغير الهادفة، فهناك الزخرفة الموجهة إلي خدمة فكرا مبتكرة معينه أو أسلوب، والموجهة إلى الناحية الجمالية وغالبا ما تكون الزخرفة مستندة إلى خلفية فكرية، ومع مرور الزمن تتجرد من تلك الخلفية لتصبح جمالية الطابع فقط، ولا تنتهي الزخرفة من خدمة الفكرة إلى خدمة الجمال إلا بعد ولادة عناصر زخرفية بدوافع فكرية حلت محل الأقدم منها لتجردها من فكريتها وتقصرها على الجانب الجمالي الذي يرى منها بشكل مباشر.
إن الزخرفة تستند على مبدأ التكرار الآلي المتماثل والعكسي، وعلى قاعدتين جماليتين أساسيتين : التغير الإيقاعي للحركة مع ما يتركه من انطباع هارموفي (علاقات الإنسان بالحس اللوني الموسيقي)، وضرورة ملء الفراغ أو السطح بكامله ولا تقتصر الزخرفة على الأشكال الهندسية البحتة والواسعة الانتشار، بل على الخط (الكتابة) أحيانا، والزهور والمنمنمات والأشكال الوردية، والنباتية (الورقية) حيناَ أخر.

■ أما تنظيم هذه الغزارة الزخرفية فيمثل سيمفونية تتشكل من ثلاثة عناصر :
● الزخرفة الهندسية .
● الزخرفة الكتابية .
● الزخرفة النباتية .
وتمتزج هذه العناصر، إلى حد فائق من الكمال والبهاء، بعناصر أخرى كالتذهيب والتلوين مترجمة بذلك ما يختلج في أعماق الفنان ومعبرة عن الانفعال التقليدي للمتلقي. وهكذا تنتظم هذه العناصر الثلاثة في ديناميكية، وحسب قواعد رياضية وتتناسق وملأ الأرضية بدقة بينما يوضع في الفراغات القليلة المتبقية التذهيب والألوان التي تضفي جمالا خاصًّا على الرسم الأصلي، وسوف نمر سريعا على العناصر الأساسية للزخرفة بالتالي :

♦ الزخارف الهندسية :
وعند تنفيذها تتجمع فتشكل شبكة من الخطوط تبسط إشعاعها انطلاقًا من بؤر متعددة في نفس الوقت. وتتركب هذه العناصر الزخرفية انطلاقًا من دائرة مركزية تندرج بها في شكل متواز دقيق مربعات ومثلثات تتطابق فيما بينها لتشكل تشبيكات من المضلعات المثمنة والسداسية والنجمية وغيرها من الوجوه الهندسية التي تتداخل فيما بينها حسب نظام مرسوم.

♦ الزخارف الكتابية :
ويعد استعمال الخط العربي كأداة للزخرفة مسألة ضرورية لإنجاز أي عمل فني في مجال صناعة المخطوطات. وقد تطور هذا الخط ليبلغ درجة من الكمال جعلت منه العنصر الأساسي الذي يتمحور حوله الفن الإسلامي. وابتكارات فن الخط العربي في البداية لمنحه النصوص القرآنية العظمة والجلال اللذين يليقان به، ثم أصبح فيما بعد الفن الرئيسي بين فنون الحضارة الإسلامية.

♦ الزخارف النباتية :
يعرف هذا الصنف من الزخرفة عادة بالتوريق أو الأربيسك، ويتألف من رسوم لزهور ونباتات توضع حسب قواعد دقيقة ونمنمة متقنة على الرغم مما قد يظهر من تعقيد في خطوطها، ويتمثل الأربيسك في مجموعة من الأوراق المتموجة أو المنبسطة أو المستديرة أو المسننة، تتموج في كل الاتجاهات لتأخذ أشكالا متشابكة أو حلزونية، متسللة بين فجوات التشبيك الهندسي أو محيطة بالمدليات الكتابية.
إن فن الزخرفة يتطلب ثقافة في ديناميكية الخطوط والألوان والحركة، وقد برع الفنانون المسلمون في مجال التنظيم المعقد للألوان، فابتكروا تركيبات لونية خطية وحركية جديدة فأتت تتحدى الخيال في بهائها الذي يسر العين ويولد لدى المشاهد أعمق الأحاسيس والانفعالات، ويضع المزخرف عادة الألوان والخطوط الذهبية عندما يكون قد أنجز الزخارف الهندسية والنباتية والكتابية، ولم يقتصر الإنسان على استخدام الألوان في رسم عناصره الزخرفية بل استخدم طرقاً عديدة في إظهار عناصر العمل الفني على الأواني الفخارية والمعدنية والخشبية والعظمية سايرت العصر الذي عاشه.
وأما في هذا العصر فقد ظهر في جميع البلاد الإسلامية ما يعرف بالزخارف الشعبية وقد خرجت على المعايير الزخرفة المدروسة، إلى جانب الزخرفة الإسلامية المتربعة وقد استلهمت من موروثات تلك البلدان وعادتها وتقاليدها، وهي عبارة عن أشكالا هندسية وخطوطا عفوية وألوان لا تخضع لقياسات دقيقة لونت بألوان صريحة أو متكاملة من البيئة وبتصفيف جمالي وبسيط محدود الابتكار، وقد لوحظت على الأبواب والنوافذ والمفارش وبعض الأدوات الحياتية.
وقد تناولها الفنان المعاصر بشيء من الذكاء والثقافة والرؤية الفنية الإبداعية ونتج عنها أعمال غاية في الروعة والجمال.

■ وأخيرا َ :
وبعد كل هذه الجولة البحثية الموجزة عن الزخرفة ودورها الفني والحضاري بالنسبة للفن الإسلامي، فأنة يتوجب على أبنائنا معرفة ذلك التراث المشرف والمشرق وإعطائهم جرعات ودروس بين الفينة والأخرى من هذا الفن الرفيع من خلال الخطط التدريسية لمادة التربية الفنية، وان يحرص معلمها على إظهار تلك الجوانب الفنية والزخرفة الجمالية الأنيقة بالطرق التربوية دون إسراف ولا تبذير.