من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : جمال سعد محمد.
إجمالي القراءات : ﴿4628﴾.
عدد المشــاركات : ﴿3﴾.

قصيدة : أحبك للشاعرة ميمي قدري ــ قراءة جمالية.
أحبك ... محاولتها الدائبة أن تتخطى الجزئي إلى الكلى والخاص إلى العام وأن تنفذ من الواقع الحسي إلى ما وراءه هي السمة الرئيسة في قصيدة (أحبك) للشاعرة ميمي قدري، وترى ميمي قدري الوحدة من خلال الأعراض، ومن هنا كانت وسائلها الفنية نتيجة معاناة وجودية سابقة ولم تكن في حد ذاتها هدفاً (.... حينما تغمرني عيناك من سر الغياب من وراء الغيم من دفء الحنين....). فالشاعرة وصلت إلى درجة التصفية التي تخلص عندها الرؤيا وتنتفى كثافة الحس، وفى تلك الآونة يتحول الحبيب المنشود إلى رمز فيه شفافية التجريد ومثاليته وإبهامه، أو قل يتحول إلى فكرة تقف على الحافَة بين الحقيقة والوهم خارج نطاق الماضي والحاضر. أما على المستوى الفني للجمال فإن النظرة المتأنية لا تخطيء أثر هذه النزعة الشكلية في مفهوم الجمال عند (ميمي قدري) حتى وضع الكلمات وعلامات الترقيم تخضع جميعا في قصيدة (ميمي) لهندسة دقيقة تكاد توحي إلى حاسة البصر بقدر ما توحي الأصوات إلى حاسة السمع. ولئن كان الشعر جهدا ومعاودة فليس ثمة مجال - في ظننا - لذلك الشيء المبهم الذي يسمونه الإلهام إذ لا وجود لأية شرارة جمال إلا وراءها عمر من التحضير، ومن هنا نجد أن الشاعرة (ميمي قدري) حريصة على تنقية أسلوبها، ومراوغة الحرف واللفظة وتصفية الجملة نسرة نسرة حتى تعثر على الصوت الدال واللفظة المشعة والجملة المصقولة : (للمسافات التي لم تغتسلْ برذاذ الشوق أو عطر السحاب من ربا الروح التي لم تكتحل يا حبيبا يسكن روحي يا حبيبا يسكن جرحي ويهديني العذابْ). وقليلا ما نعثر عند (ميمي قدري) على الروابط المنطقية بين جزئيات التشكيل اللغوي كأدوات التشبيه والتعليل والتعقيب والشرط حتى خرج شعرها وفق ما كانت تبتغى تمثالاً من المرمر فيه جهد النحت والإزميل، وفيه حيوية وحياة بشكل خاص ومميز.
ولعل أبرز ما يتميز به الأداء الشعري عند (ميمي قدري) اعتمادها بصفة أساسية على الصورة التجريدية، وهي صورة يتبادل فيها الحس الفكري والمادي والمعنوي وتنهار فيها الحواجز بين الواقع وما وراء الواقع فلا يعود ثمة وجود إلا لبصيرة الشاعرة التي تستوعب الأشياء والمعاني لتشكلها ذاتياً. ومن أهم الوسائل التي تعتمد عليها الشاعرة في تجريد صورها:
• أولا: إيحاءات الألوان (ميمي قدري) في هذا تستفيد من نظرية العلاقات الرمزية، فالألوان عندها ليست مدركات بصرية متميزة بل هي شتيت من الإيحاءات والمعاني، ومن ثم كان يصعب عليها أحيانا أن تحدد نوعية اللون الذي تتحدث عنه إذ كيف يمكن تحديد المجردات: (......... ............... سر الغياب - وراء الغيم - دفء الحنين - جمالات العتاب - المسافات التي لم تغتسلْ - رذاذ الشوق - عطر السحاب - لم تكتحل - يسكن روحي - يسكن جرحي - يهديني العذابْ) ونضيف أن هذه الإيحاءات اللونية إنما هي - فيما نحسب - محض انطباعات ذاتية غير ملزمة، وربما يرى شاعر آخر غير ما رأته (ميمي قدري)، ولعل ثالثا يرى غير ما رأياه وهكذا. ولهذه النظرة ما يدعمها من الناحية النفسية فقد عرض (سيريل بيرت) في كتابه كيف يعمل العقل لصنف من الناس يمكن أن نسميه بالصنف الربطي، وهو الذي ينظر إلى الأشياء لا من حيث هي ولكن من حيث ما تثيره في نفسه من ذكريات وكما علق (بوذا نكويت) على هذا الصنف بقوله" رغم أنه قد يبدو من الصحيح أن نربط شعورنا باللون الأحمر بصور الدم والنار أو شعورنا باللون الأزرق بصورة السماء فإن لدى شكوكاً قوية فيما إذا كان ينبغي أن يدرس ارتباطهما حقا بوصفه ارتباطا أساسيا" وهذا حق لأن مثل تلك الارتباطات اللونية فرضية محضة ترتبط بذكريات وأحداث ومواقف خاصة، ولا تمثل قاعدة موضوعية صالحة للتطبيق في كل الحالات.
• ثانيا: التشكيل الذاتي للصورة الشعرية أما ثانية الوسيلتين اللتين تعتمد عليهما الشاعرة في تجريد صورها: فهي ذاتية العلاقات التي تقيمها بين عناصر هذه الصور. فالصورة الشعرية لدى (ميمي قدري) ليست احتذاء للواقع وعلاقاته الطبيعية، ولكنها بالأحرى تشكيل جديد لهذا الواقع وصياغة ذاتية لعناصره الحسية والمعنوية بحيث تغدو مفردات الطبيعة رمزية نفسية لا وجود لها إلا في المخيلة وبحيث تلتئم جميعاً لتخلق الإحساس الذي تعيشه الشاعرة (من ربا الروح التي لم تكتحل يا حبيبا يسكن روحي يا حبيبا يسكن جرحي ويهديني العذابْ). على أن الشاعرة لا تكتفي في تشكيل صورها بتراسل معطيات الحواس لأن هذه الوسيلة - مهما كانت قيمتها التجريدية - لا تزال في نطاق المحسوسات ومن ثم نراها كثيرا ما تلجأ إلى تبادل مجالات الإدراك ذاتها ما بين معنويات ووجدانيات ومحسوسات.
◄ انظر : د عز الدين إسماعيل - الأسس الجمالية في النقد.