من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : طارق يسن الطاهر.
إجمالي القراءات : ﴿3557﴾.
عدد المشــاركات : ﴿78﴾.

قراءة بحثية تحليلية : تحرير كلمة "مثوى".
■ ما دار في الوسائط أخيرا عن مفهوم كلمة "مثوى"، وقد قصرها بعضهم على أنها النار، وإصرارهم على أنها لا يجوز أن تطلق على غيرها، دفعني إلى أن أتناول هذه الكلمة بالبحث والتحليل حتى يتبين المفهوم الحقيقي لها.
الجذر اللغوي للكلمة هو "ث.و ي" ثوى، يثوِي، ثواءً، وثُوِيٍّا بالمكان : يعني أقام فيه واستقر (المعجم الوسيط ط4 ص103).
ولها معنى آخر وهو "هلك"، استخدمه كعب بن زهير حين قال :
ومن للقوافي شانها من يحوكها • • • إذا ما ثوى كعب وفوّز جرول

وقصة البيت ومعناه فيما يلي :
أتى الحطيئة إلى كعب بن زهير – وكان الحطيئة راوية زهير وآل زهير – فقال له: يا كعب، قد علمت روايتي لكم أهل البيت وانقطاعي إليكم، وقد ذهب الفحول غيري وغيرك، فلو قلت شعراً تذكر فيه نفسك، وتضعني موضعاً بعدك! أي تبدأ بنفسك فيه وتثني بي؛ فإن الناس لأشعاركم أروى، وإليها أسرع، فقال كعب :
فمن للقوافي شانها من يحوكها • • • إذا ما ثوى كعب وفوز جرول

أي من يبقى يحمل راية الشعر، إن هلك كعب وجرول، وكعب المذكور في البيت هو كعب بن زهير، وجرول هو جرول بن أوس وهو الحطيئة.
ثوى فعل معتل ناقص، حين صياغة اسم المكان منه يأتي على وزن "مفعَل" مثل سعى : مسعى، فنقول مثوَى، وتكون بمعنى مكان ومنزل مطلقا، ولا تدل على مكان سيئ أو حسن.
قال تعالى : "أليس في جهنم مثوى للكافرين" (الزمر : 32) أي مكان ومنزل لهم.
ووردت آيات كثيرة في هذا الصدد فيها كلمة "مثوى" بالمعنى نفسه، ومنها :
{آل عمران 151، النحل 29، العنكبوت 68، الزمر 60/72، غافر 76، فصلت 24، محمد 12}.
ارتباط الآيات السابقة بالحديث عن أهل النار، وكون النار مثوى للمتكبرين والكافرين والظالمين جعل بعض الناس يخص كلمة"مثوى" بأنها لا تكون إلا مع النار، وهذا مخالف للمعنى اللغوي للكلمة وللتفسير القرآني.
هناك اشتقاق آخر للكلمة على صورة اسم الفاعل : ثاوٍ وقد ورد في قوله تعال : "وما كنت ثاويا في أهل مدين ..." (القصص : 45) بمعنى مقيما. واستخدمه الشاعر خليل مطران في رائعته "المساء" حين قال :
ثاوٍ على صخر أصم وليت لي • • • قلبا كهذي الصخرة الصماء

كما وردت مسندة إلى ضمائر "وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه..." (يوسف : 21) أي منزلته ومكانه، وفي آية أخرى في سورة يوسف أيضا : "قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي" (يوسف : 23) أي منزلي ومكاني.