من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. محمد الصفى بن عبدالقادر.
إجمالي القراءات : ﴿2489﴾.
عدد المشــاركات : ﴿65﴾.

قصة : عبدالله زير النساء.
■ لم يثنه ثقل سمعه ولا نحافة جسمه ولا حتى قصر قامته وتلعثم كلماته من مخالطته باقي "طبقته" بتلك الساحة التي تتوسط المدينة كبساط متآكل، حيث يتخذون من بقايا "الكارطون" سجادا تتزاحم عليه أجسادهم الواهنة التي نخرتها السنون، حتى علت التجاعيد قسمات وجوههم. كل أبناء الحومة يعرفونه وهو لا يعرفهم، شاخت به الأيام وهو لم يشخ، لاعتباره أن الدنيا لهو ولعب وتفاخر بالماضي "مهما كان نوعه"، إنه الحاج عبدالله، حاج بالتسمية فقط، لأنه لم يتسن له زيارة تلك البقعة الطاهرة من الأرض، والاستغفار لربه من أجل أن يمحو ذنوبه، التي حسب تعبيره تغطي ما بين السموات والأرض لكثرتها، إنه الشيء الجميل في الحاج عبدالله، أنها صراحته البالغة، يحكي الحاج عبدالله أنه كثيرا ما يكذب وقليلا ما يصارح، كثير الكلام في الناس وسليط اللسان على من ظلمه، لكن ذنبه الكبير والذي مازال لصيقا به حسب ما يروي، أنه زير نساء من الطراز الرفيع، رغم سنه الذي تجاوز السبعين حاولا، حاول مرارا وتكرارا الابتعاد عنه، لكن لم يستطع كأن هناك مغناطيس يجذبه إليه بكل عفوية ودون تفكير، أو عقد مبرم بينه وبينهن. عرفت حياته ثمان زوجات لم يستقر فيها على حال مع واحدة، ولحسن حظه أنه لم ينجب معهن ولم يكن له معهن لا ولد ولا بنت، لا لسبب سوى أنه محكوم عليه بالعقم، ربما تكون مشيئة الله، لأنه لو لم يكن عقيما لكان الحي بكامله من أبنائه منهم الشرعيون وغير الشرعيون، حيث أنه كلما كان يتقاضى تلك الأجرة الأسبوعية من قبل مشغله الفرنسي بإحدى الضيعات المجاورة للمدينة إلا وتوجه لإحدى الحانات المطلة على النهر منتعشا بزجاجات الجعة وبعض الوجبات الخفيفة المحضرة هناك، ليحمل بعد ذلك بعضا منها وقليل من الزاد، ليبدأ الشروع في البحث عمن ستؤنس ليلته وتسليه في تلك الحجرة التي كان يكتريها رغم تآكل جدرانها، التي كانت مهيأة في أية لحظة للانهيار، هناك كما يحكي، يشرع في تهييء وجبة عشائه بنفسه لأنه لا يثق في كيد النساء رغم عشقه الدفين لهن، ثم تبدأ طقوس "القصارة" من غناء شعبي ورقص و .. لينزوي لساعات متأخرة من الليل على ذلك السرير الذي وهبه له أحد الأصدقاء ذات يوم رفقة مؤنسته، فإن راقته استمر معها وإن لم ترقه طردها في عز الليل، غير آبه بما يمكن أن يعترضها.
وضع استمر عليه الحاج عبدالله لسنوات وحسب حكيه أنه كان دائما هو السبب في تطليق الزوجات بحكم تحرشه لكل امرأة دلفت منزله فهو كما يقول "عشاق ملال".
وها هو اليوم الحاج عبدالله لا يقوى حتى على حمل ذاته، لا معيل له ومعين ولا أنيس إلا من مذياعه "ترونزيستور" يحمله معه أينما حل وارتحل لا يحلو له الحديث إلا عن النساء، ومغامراته معهن، لا مورد له إلا من خلال ما يجود به عليه الناس من بعض الخدمات التي يسديها لهم، أو من بعض المحسنين في بعض المناسبات، كأن لعنة النساء باتت تلاحقه، خصوصا من قبل زوجاته، ورغم ذلك فما زال يحن لأيامه الخوالي، بحيث كلما مرت امرأة من أمامه إلا وتنهد تنهيدة عميقة وقال "يا ليت أيام الشباب تعود، أفبعد أن أصبح الصغر والزين فاتني القطار" ومع ذلك ما زال في العينين بريق يتربص بمؤخرات النساء متلذذا ولو بمجرد نظرة يشفي بها غليله.
◄ قصة من مجموعة "حديث الشيوخ".