أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عمر حسين الجفري.
إجمالي القراءات : ﴿2436﴾.
عدد المشــاركات : ﴿23﴾.

قصور الأفراح : استغلال وليّ ذراع.
■ أضحت قصور الأفراح اليوم سوقا رائجا وتجارة رابحة لرجال الأعمال والمستثمرين يتسابقون في إنشائها لجني المكاسب العالية وظاهرة مألوفة متعارف عليها اكتوى بلظاها الناس وانتشرت في جميع المدن والمحافظات بالمملكة وهي في ازديادٍ مستمرٍ وتنامٍ مضطردٍ، وقد لا يوجد حي إلا وتجد به قاعة أو قصر أفراح وهي تختلف في أحجامها ومساحاتها ودرجة فخامتها ونظافتها وطاقة استيعابها لأعداد الضيوف وهي تقدِّم خدمات مميّزة لأصحابها والبعض منها يطلق عليها استراحات أو صالات للمناسبات وهي أقل حجماً وكفاءة وعادة تكون في أطراف المدن ونواحيها، ورغم ذلك نحن نتساءل : ما الخدمات التي تقدِّمها هذه القاعات ؟ وما مستوى هذه الخدمات ؟ وما مدى مناسبة أسعار إيجارها ؟ وهل تلتزم باشتراطات أمانات المدن من حيث الموقع والسلامة ومخارج الطوارئ والنظافة وتوفير مواقف السيارات ؟ وما المخالفات التي ترتكبها هذه القصور ؟ وما مدى متابعة الجهات الرقابية لها ؟ وهل تُطبَّق عليها العقوبات المستحقة ؟

لا شك أنّ قاعات الأفراح اليوم وفَّرت كثيراً من الجهود والتعب الذي كان في زمنٍ قد مضى عندما كان الناس يقيمون أفراحهم في منازلهم ويتكبّدون عناء تجهيز الأماكن وخدمة الضيوف وترتيبات العشاء ومراسم الاستقبال ممّا جعل أصحاب الدعوة أو المناسبة كأنّهم ضيوفاً يقتصر دورهم في استقبال المعازيم والإشراف والمتابعة لأداء واجب وكرم الضيافة، ولكن ما نراه هو المبالغة الكبيرة في قيمة وتكاليف إيجار القاعات التي أرهقت العرسان من الشباب وجعلتهم يستدينون من البنوك قروضاً عالية أو طلب سلفة من أحد المقربين لإقامة حفلات أعراسهم وتحقيق البهجة والفرحة في ليلة العمر فقد تصل بعضها إلى مبالغ لا تصدَّق ربّما إلى أكثر من مائة ألف ريال مقابل إيجار ليلة واحدة وخصوصاً في المدن الكبيرة، وتتراوح أسعارها من عشرين ألفٍ كحدٍ أدنى وهكذا صعوداً ولا يحكمها نظاماً واضحاً تخضع له وإنّما يتوقف قانونها على مزاجية ورؤية مالك القاعة هذا بخلاف تكاليف طعام العشاء للرجال والنساء، وإنّي أتساءل من أين يأتي هذا الشاب بتلك المبالغ الباهظة وهو في بداية حياته العملية وحديث عهد بالوظيفة إذا كان على أقل تقدير أجرة قاعة الأفراح عشرون ألفاً وتكاليف العشاء لا تقل عن خمسين ألفاً إضافة إلى لوازم صالة النساء التي تصل تكاليفها إلى عشرة آلاف ريال وغيرها من المصاريف المطلوبة ناهيك عن قيمة المهر وإيجار الشقة وتأثيثها وتجهيزها هذا يعني أنّه يحتاج مبلغاً لا يقل عن مائة ألف ريال فمن أين له هذا المبلغ ؟ ولعلّ ذلك يؤدي إلى نفور كثير من الشباب عن إكمال نصف دينهم ويتراجعون عنه لعدم مقدرتهم المادية وخشية الوقوع في خندق الديون والالتزامات المالية المقلقة وقد ألقت بظلال قاتمة على مصير هؤلاء الشباب وكابوساً جاثماً يقضّ مضاجعهم.

ورغم المغالاة في أسعار القاعات إلا أنّ المؤلم من بعض أصحاب القصور يفرضون على ذوي المناسبة أن تكون وليمة الرجال في مطبخهم وعشاء النساء من قبلهم ويقرِّروا قيمة متر مكان تناول الطعام (البوفيه) وفق هواهم وشراء الحلويات والفطائر والمشروبات وبعض المأكولات الخفيفة التي توضع على الطاولات من مطعمٍ محددٍ عن طريقهم ولا يسمحون بإحضار العشاء من الخارج بل يجبرونهم أحياناً أن يكون تجهيز وتزيين كوشة العرسان لديهم ويكون ذلك شرطاً ملزماً على أهل الفرح دون مبرِّر وإنّما الهدف من ذلك هو استغلال حاجة الناس وليّ ذراعهم واستنزاف أموالهم ومضاعفة فاتورة الحساب ممّا يضطر الشباب إلى البحث عن استئجار الاستراحات التي تفتقر الكثير منها للسلامة والمساحة الكافية التي تستوعب عدد المدعوين ونقص الخدمات وتدني مستوى الفَرْش والأثاث والنظافة عموماً ممّا يجعل أهل المناسبة يقتصرون الدعوة على أقارب العروسين والغريب في الأمر غياب الجهات المعنية عن حضور المشهد مع ضعف الرقابة.

والأمر المزعج حقاً هو ما يحدث داخل هذه القصور أو الصالات من سرقات عجيبة من خلال عمالة هذه القاعات ففي صالة النساء يتم خطف كثير من المشروبات والفواكه وبعض صحون الحلوى ونشل علب المناديل وأغراض الزينة والتحف الموجودة على الطاولات وكميات كبيرة من طعام العشاء في البوفيه وكذلك في صالة الرجال يلاحظ أهل المناسبة نقص في مياه الشرب والمرطّبات والحلوى وقد يتجاوز الحال إلى اختفاء عدد من الذبائح المتّفق عليها والمدفوع ثمنها فيرون عند تجهيز وإعداد مائدة العشاء أنّ الكميات المقدّمة على سفر الطعام أقل بكثير من المطلوب فيقفون مشدوهين متبرِّمين لا حيلة لهم وليس لهم خياراً إلا تدبير أمورهم والعمل بالمقولة الدارجة (الجود من الموجود) والحسرة وتجرّع آلام القهر على ضياع أموالهم المنهوبة فيضطرون إلى تمضية بقية ليلتهم ويومهم بسلام بعيداً عن الحرج ليكملوا فرحتهم دون منغِّصات.
لذا كان من الواجب على مسؤولي الجهات المعنية التصدّي لهذه المخالفات واتخاذ الإجراءات اللازمة للوقوف أمام طوفان قصور الأفراح المسعور بجميع مستوياتها التي أرهقت جيوب الناس بالتكاليف العالية جداً.

■ ونود أن نضع بعضاً من التوصيات التي نأمل أن تكون عوناً لأصحاب القرار في ضبط أسعار إيجار هذه القصور والحد من قيودها وشروطها التعسفية على العملاء كما يلي :
1ـ تشديد الرقابة من قبل وزارة التجارة والجهات الأخرى المعنية لمتابعة قصور وصالات الأفراح ومدى التزامها بالشروط والتعليمات النظامية، وإيقاع العقوبات عليها لأي مخالفات ترتكبها، ومنع أصحابها من إجبار طالبيها على إقامة الولائم وما يتبها عن طريقهم، وفرض تسعيرات محدّدة وفق مستويات معيّنة تصنَّف عليها هذه القاعات تراعي مصلحة جميع الأطراف.
2ـ توفير صالات أفراح واستراحات مجهّزة مجاناً أو برسوم رمزية للشباب الراغبين في الزواج تقيمها الأمانات في المحافظات والمدن تتكفّلها الدولة وتتراوح أعدادها طبقاً لمساحات المدن وعدد سكانها وقاطنيها تشجِّع الشباب للإقبال على الزواج وتحصينهم وإكمال نصف دينهم.
3ـ تخصيص أرقام هواتف مجانية ومواقع إلكترونية للجهات الرقابية توضع في مواقع بارزة لصالات الأفراح تمكِّن أصحاب المناسبة من التواصل السريع للإبلاغ عن أي مخالفات أو شكاوى طارئة.
4ـ إنشاء جمعيات خيرية رسمية مدعومة من وزارة الشئون الاجتماعية والأغنياء من المحسنين من رجال الأعمال وأصحاب الأموال والتجار مهمتها تشييد وتجهيز قاعات أفراح في المدن والمحافظات للعرسان والمقبلين على الزواج من الشباب تكون مجاناً أو برسوم رمزية وتتولى الإشراف عليها ومتابعتها.

وقبل أن ننهي مقالنا نود توجيه رسالة إلى أصحاب قاعات الأفراح ومستثمريها بأن يتقوا الله تعالى في أبناء أمّتهم ووطنهم وألا يبالغوا في رفع أسعار الإيجارات والاشتراطات الإضافية الخانقة وأن يكتفوا بالربح البسيط والتسهيلات الميسّرة ابتغاءً لمرضاة الله في تعزيز ونشر سنة الزواج الشرعي واستشعاراً بالواجب الوطني واحتساباً للأجر الكبير والخير الوفير وإحلال البركة في المال والأهل والولد، وعليهم أن يراعي مصلحة شباب الوطن وتشجيعهم للإقبال على الزواج والحد من ظاهرة العنوسة للفتيات وذلك تلبية لحاجاتهم الغريزية وتحقيق الاستقرار النفسي والجسمي والاتزان العاطفي وصيانتهم وحصانتهم من مزالق الشيطان وبعداً عن الممارسات غير الشرعية فإنّه أدعى للحفاظ على عصب الأمة المتمثّل في شبابها فهم سر نهضتها ورقيها وحضارتها.
■ هذا والله من وراء القصد.