من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

مجرد كلام ﴿1774﴾.
متعة الفشل ﴿2813﴾.
مفاهيم ملحة ﴿3711﴾.
شذوذ وخلل ﴿5359﴾.
كالماء .. كن ﴿3424﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. أكرم محمد مليباري.
إجمالي القراءات : ﴿3387﴾.
عدد المشــاركات : ﴿26﴾.

أحمد الله تعالى وأُثني عليه، وأُصلي وأُسلّم على خيرِ عباده وأطهرهم، حبيبنا وقدوتنا محمٍد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين، وبعد :
■ منطقيةٌ.
مما نلاحظُ في حياتنا بعضَ الأحداث التي قد أدركنا الآليات والفلسفة التي تسير عليها؛ وقد تكونُ في أبسط الأعمال والتي قد لا تحتاج إلى علمٍ غزير، أو خبرة طويلة، فعلى سبيل المثال؛ يضع المزارع ُ قضيباً من الخشب بجانب نبتة صغيرةٍ لا تكاد تنتصب، ويقوم بربطها بخيط صغيرٍ ونحوه على سطح ذلك القضيب الخشبي من أجل أن تكتسب تلك النبتة نفسَ الاستقامة التي يمتاز بها.
وبعد أن يشتد ساقُ تلك النبتة بعد حين؛ فتصبح غيرَ محتاجة لتلك القطعة الخشبية؛ لأنها قد اكتسبت الصلابةَ والاستقامة الكافية لكي تنمو بشكل مستقيم؛ فالفضل يعود في ذلك لتلك القطعة الخشبية (المستقيمة) التي كانت عوناً وسنداً لتلك النبتة الصغيرة ومرشداً لها، وكذلك للمزارع صاحب الفكرة النيرة التي جعلته يُسخّر تلك القطعة الخشبية لتؤدي دوراً أساسياً في تشكيل أسلوبٍ جيد وصحيح في النمو بالنسبة للنبات ومن البديهي لو كانت القطعة الخشبية بها اعوجاج فكيف ستنمو تلك النبتة ؟ نعم ستنمو تبعاً للشكل الذي كانت بصحبته أي معوجة !

ولو افترضنا أن النبتة قد نمت بشكل معوج؛ ثم ذهبنا لتصحيح مسارها، أي أردنا أن نعدّل جذعها بحيث يصبح مستقيمَ الشكلِ ومنتصبَ القامة؛ فما الذي سيحدث ؟ هناك احتمالان : إما أن ينكسر الجذع، أو تبوءَ العمليةُ أو المهمة برمتها إلى الفشل؛ وفي كلا الأمرين ما استطعنا إيجاد الحل.
ومن الفرضية السابقة؛ يتضح لنا ما يمكن أن نطلق عليه بقانون أو آلية ثابتة - إن صلح التعبير - إذا لم تتوفر فيه عناصر محددة؛ سوف لن تظهر النتائج المطلوبة، وطبعاً لكل قاعدة تعارض.
فالوعي الإنساني إذا لم يتشكل بصورةٍ جيدة؛ تظهر فيها معاني الإنسانية الرفيعة، التي تسمو فيها أبرز صفات الإنسان صاحب المبادئ العليا، والأخلاق الحميدة؛ والتي تجعله يرتقي عن كافة المخلوقات ويتميز بها عن سائر الدواب؛ سوف يخرج لنا جيلاً يحمل عيوباً ونواقصَ، تجعله يتساوى مع بقية المخلوقات الأخرى، التي تدنى بها الوعي، أو هي خُلقت بلا وعي أو مجبولةً على نمط محددٍ في حياتها؛ بل ربما يكون أسوء منها حالاً !
فالذي يسير بمركبته بسرعة تصل إلى حد الجنون، ضارباً بكل قواعد السير واحترام الآخرين عرض الحائط، قد تشكل لديه نوع من الوعي؛ لكنه وعي معوج و منقوص؛ لا يؤهله للارتقاء إلى الإنسانية التي نحن بصددها، بل قد لا تخرجه عن حد وعي بعض الكائنات الوضيعة !
فإذا ذهبنا لتعديل وعي كهذا؛ فلربما نواجه صعاباً لا تعد ولا تحصى، ولربما ينتهي بنا الحال إلى حال أشبه بتعديل جذع تلك النبتة ! إما أن ينكسر أو نستسلم للحقيقة المرة !

■ عاشق ومعشوق !
في حديثٍ مع أحد الأصدقاء، استعرضنا فيه زمناً قد مضى بحلوه ومره؛ وبعد مقارنته بالزمن الحالي، زمن الآلة الذكية أو بتعبير آخر (اللمّاحة !) مالت الأنفس إلى استرجاع الحالة السابقة من الحياة، كونها كانت خاليةً بشكل كبير من دواعي التوتر وانشغال الفكر بالجديد من الأخبار على مدار الساعة، سواء كانت أخبار مفرحة أو محزنة، أو غير ذلك؛ مما يجعل الذهن لا يفتر عن حركة دائبة، قد تسبب أنواعاً كثيرة من القلق المستمر من مخاوفَ وكوارثَ قد تحدث أو مفرحات تتوق الأنفس لها ولسماع شيء منها، وقد تكون كلها مجرد أخيلة وأوهام ! وكل ذلك يشكل ويخلق أرضاً خصبة للهواجس والمخاوف، التي تهاجم الكيان الجسدي والحصن الإنساني بأسره، فأصبح الإنسان بشكل كبير، عاشقاً للمعرفة من خلال هذا الجهاز الذكي، وهو أي الجهاز - بطبيعة الحال - أصبح معشوقاً والنتيجة النهائية من هذا النوع من العشق؛ قد تتسبب بهلاك العاشق كونه لم يصل إلى حد الارتواء من ثم عشق !

■ الجزيرة الساحرة !
في خاطرةٍ لأحدهم؛ تفيد بأن صاحبها يود لو أنه يعيش على أرض جزيرة شبه منعزلة عن العالم الذي أصبح مكتظاً بالأحداث المأساوية والمفزعة؛ والصور الأليمة التي تُقض لها المضاجع وتسوء لها الخواطر؛ فلربما يجد في هذه الجزيرة راحةً يفتقدها منذ زمن طويل، على الرغم من بدائية طبيعتها، إلا أنها أطيب للأنفس وأكثرُ راحة للروح والبدن، فبعد خوض تجربة الحياة وسط التقنية العالية، وعلى الرغم من ميزاتها؛ إلا أن ثمن تلك الميزات ليس رخيصاً.
ولا ينحصر الأمر في كون أن الإنسان استطاع أن يقهر الآلة ويطوعها لأوامره ولحساب راحته ورفاهيته بل أصبح ضعيفاً في مستوى الطاقات والإمكانات التي وهبها الله تعالى إياه؛ وعلى سبيل المثال : فذاكرة الكثير من الناس أصبحت ضعيفة بشكل ملحوظ في الحفظ والاسترجاع لبعض المعلومات، مثل الأرقام والبيانات وإجراء بعض العمليات الحسابية البسيطة إلخ.
والكاتب ربما يتفق مع من ذهب لوصف الإنسان في القرن الذي نعيش فيه، وربما الذي يليه؛ بأنه إنسان آلي (روبو) ! وذلك لأنه أصبح يعتمدُ بشكلٍ شبه كلي، على الذكي من الأجهزة في الكثير من مناحي الحياة، وبذلك فقد أصبح الكثيرُ من العقول الشابة؛ في مرحلة الشيخوخة المبكّرة أو دخلت مرحلة خَرَفٍ مبكّر !

■ أولويات.
عند الوقوف على تفاصيل حياة بعض الناس، واهتماماتهم التي يحرصون على إشباع رغباتهم من خلال تأديتها وقضاء حوائجهم بواسطتها؛ قد نرى عجباً !
فقد نستنكر ونستهجن العديدَ من تصرفاتهم وسلوكياتهم التي لا تنم إلا عن "سوء تصرف" أو "عدم نضج" أو حتى "تخبط" وذلك بحسب تصنيفنا وتقييمنا الشخصي لذلك التصرف؛ بيد أنهم أي هؤلاء المعنيين، قد اكتسبوا قناعةً تامة بما يقومون به من سلوك.

وللتوضيح وإزالة اللبس؛ إليك عزيزي القارئ هذا المثال : أعرف شخصاً يفضّلُ اقتناء السيارات المستخدمة على السيارات الجديدة؛ وذلك لشغفه وحبه لتجديد القديم من السيارات، والعناية به لاستمتاعه بثم عمل؛ يجد ويحققُ ذاته من خلاله، بحسب تعبيره.
وآخرُ يحبُ أن يجلس ساعة استرخاء بشكل يومي، ويكره القيام بعمل آخر؛ حتى ولو كان ذلك العمل يمكن أن يحقق له مكاسب مادية جيدة ! فهو بذلك ليس لديه أي نوع من الاستعداد (لبيع) ذلك الوقت بأي عملٍ حتى ولو كان أفضل له من مجرد (هدر للوقت) كما يمكن ويحلو للبعض أن يطلق عليه ذلك، إلا أنه أي ذلك الشخص، مقتنعٌ كل الاقتناع بوقت الاسترخاء، فهو في نظره أولوية ذات الرقم (1) وحسب.
بعض المتقاعدين يفضلون الراحة والمكوث في المنزل، بعد رحلة عملٍ مضنية ومريرة، مروا بها وعاشوا لحظاتِها الحلوة والمرة، وقد لا يكون لديهم أي دافعٍ لممارسة أي عملٍ أخر بعد مرحلة التقاعد؛ غير أن ذلك لا يعتبر من أولويات البعض الآخر منهم؛ لأنهم قد يعدون ذلك من عدم التقدير والتقديس للعمل؛ لطالما أن المتقاعد لا يزال يتمتع بالحيوية والنشاط إضافة للخبرة التي يمتلكها من خلال سنوات الخدمة؛ والتي تجعله يتفوقُ على الشباب الجديد، والمتقدمين للعمل من حديثي الأسنان.
وبالمقابل فإن بعضَ المتقاعدين يعدون العودة لأي عمل بعد التقاعد؛ هو ربما ضرب من الجنون ! لأن المتقاعد شخصٌ آن له أن يستريح ويستمتع بما تبقى له من العمر؛ بمباهج الحياة التي حرمته منها، سنواتُ العمل الطوال.
وهكذا فمن سنن الحياة الاختلاف، حتى في التفكير و (فلسفات الحياة) التي يتخذها البشر في طريقة عيشهم، والاختيار هو الذي يحدد اهتماماتِ الناس، في هذا المجال بحسب الأولويات والطموحات والأحلام التي يحرصون على تحقيقها.

وقد سبق أن تحدثنا في نفس الفكرة التي تشيرُ إلى نفْسِ الموضوع، في فقراتٍ سابقة ولكن التكرار هنا متعمدٌ؛ لتعزيزها وترسيخها في الأذهان، والله ولي الأمر والتدبير.
image الفلسفة التطبيقية : فن المقاربة.