من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. أكرم محمد مليباري.
إجمالي القراءات : ﴿5389﴾.
عدد المشــاركات : ﴿26﴾.

إن الله تعالى كرم الإنسان وميزه عن بقية المخلوقات التي تشاركه الحياة على وجه البسيطة، ومنذ أن أمر الحق جل وعلا ملائكته بالسجود - تكريماً وتشريفاً - له وكان ما كان من إبليس من عصيان لأمر الله، بدأ الصراع بين بني الإنسان وإبليس، صراع بين قوى الخير وقوى الشر.
واقتضت فطرة الله تعالى أن جعل الإنسان يشترك مع بقية المخلوقات في مقومات الحياة، التي لا تقوم إلا عليها، مثل الطعام والشراب والتكاثر، وهي التي تضمن بقائه واستمرار نوعه، وهو ما أشار إليه الحق سبحانه في كتابه الكريم، على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف : 110)، وقد وردت الإشارة بالخطاب بقوله (بشر) وهو بيان منه صلى الله عليه وسلم لقومه بأنه لا يخرج عن طور البشرية، ومما يحتاج إليه البشر ويجرى عليه ما يجرى عليهم، مع علو منزلته صلى الله عليه وسلم.
وكذلك شاءت أقدار الخالق تبارك وتعالى بأن وضع قوانين وسنناً توجب تسخير البشر لخدمة البشر، وانتفاع بعضهم من بعض، في سبل المعيشة والرزق، قال تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف : 32)، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (سخريا) أي مسخراً خدماً وعبيداً (تنوير المقياس من تفسير ابن عباس، ج1، ص 413).
أما إنسانية الإنسان أو النفس الإنسانية وهي الجزء الثاني من تكوين الإنسان، وهي ما فضله الله تعالى به على سائر المخلوقات، من معرفة بالله وعبادته وطاعته، وتجسد رقيه ورفعة منزلته عن بقية الخلق، بما فيهم الملائكة، بأن جعله الله خليفته في الأرض، يحكم بناء على سنن ونواميس أوجدها الله ليتخذها الإنسان دستوراً ومنهاجاً، يقيم بها العدل والحرية، ويكون على أثرها علاقاته مع إخوانه من بني الإنسان، فتجمعه أخوة الدين مع المسلمين، وأساس العدل والإحسان مع غيرهم، وهي ما أوضحته رسالات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم ما تمليه التربية القويمة الصحيحة، من أصول وأساليب وأهداف، يصل معها هذا الإنسان إلى رضا الخالق في الدنيا، والخلود في نعيم الجنان في الآخرة.
والقرآن يسمي هذه العمليات التربوية (تزكية) لأنها تزكي (النفس الإنسانية) من استرقاق حاجات (النفس البشرية) قال تعالى : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (الشمس : 7 - 10) (فلسفة التربية الإسلامية، ماجد الكيلاني، ص 453).
وعليه فإن ما ينبغي أن يقوم به الإنسان تجاه إنسانيته هو الترقي بها وتزكيتها بما أبانه الخالق جل وعلا من طريق الخير والرشاد، والابتعاد عن التدني والغوص في وحول الشهوات والشبهات، وكل ما يحرم الإنسان من إنسانيته كذلك، من أسس التربية المنحرفة، وأساليب الظلم والقهر والاستبداد التي تمارس ضد الإنسان، وتنزع عنه ثوب الإنسانية الذي شرفه الله به.
ومما لا شك فيه أن ما يحدث في هذه الآونة من قتل وتشريد وتجويع، وممارسة لفنون هتك الأعراض وضروب العنف التي تمارسها هذه الأنظمة المستبدة وغيرها، مما قامت به في السابق من عهود مضت، ضد الإنسان، هي أقسى الصور التي تجسد خرقاً شنيعاً لسنن وقوانين وضعها الله تبارك وتعالى في هذا الكون، وخروجاً صارخاً عن الفطرة وتدنيسا لها، بما يحول طبيعة الإنسان من إنسان سوي، إلى أشبه ما يكون مسخاً نزل إلى دركات ودنايا، ربما لا تنزل إليها حتى أدنى أنواع الحيوانات تصنيفاً، فضلاً عن الحيوانات المفترسة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله ولي الأمر والتدبير.